الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى

صفحة 324 - الجزء 1

  إحداهما، فهو يرفع الاتحاد؛ لأن التي قُتلت غير التي سَلِمَتْ؟ وكَيف يصحُّ فِيمن قُهِرَ حتى قُتلَ وصُلبَ أن يكونَ إلهاً؟ ولله القائل فلقد أفاد وأجاد:

  عجباً للمسيحِ بين النصارى ... وإلى أي والدٍ نَسَبُوه

  نسبوه إلى الإلهِ افتراءً ... ثم ظنوا اليهودَ قد قَتَلُوه

  إن حَكَمْنا بصحةِ القَتْلِ والصَلْـ ... بِ عليه فأين كان أَبُوه؟

  فَلئِن كان راضِياً بِأَذَاهمْ ... فاحْمَدُوهم لِأجلِ ما فَعَلُوه

  ولَئِنْ كان سَاخِطاً لِأَذَاهِمْ ... فاعبُدُوهم؛ لأنَّهم غَلَبُوه

  فيا لها من خرافة أَوْجَبتْ على أولئك الحكماء الانحطاطَ مِن أَوْج⁣(⁣١) الحكمة والهندسة إلى حَضِيض⁣(⁣٢) الجَهالة المركسة⁣(⁣٣)، ويا لها من خدافة أخرجت أولئك الماهرين في الطب والمعرفة عن دَائرة العقلاء، وقضت عليهم بالانخراط في سلك البله وأهل العجرفة، فلا غرو بعد ذلك أن يكونوا أَجهلَ الملل الكفرية وإن كانوا هم الحكماء لبعض أوجاع البرية، ولا جَرمَ إذ عَمِيَت أبصارهم عن إدراك حقائق المعقولات أَنْ تصم أسماعُهم عما جَاء به خاتمُ الشرائع من المنقولات، لقد استيسر الشيطان بعد أن أضلهم عن معرفة رب العالمين أن يصرفَهم عن الحنيفية البيضاء ملة إبراهيم أول المسلمين، ولقد استأمن منهم أن يلتفتوا إلى البرهان على حقائق الإيمان لِمَا منَّاهُم بما أدركوه من الهندسة ومعالجة الأبدان أنَّهم⁣(⁣٤) الذين يشار إليهم بالبنان من عالم الإنسان {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ}⁣[سبأ ٢٦] وهو خير الفاتحين، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ١١١}⁣[الأنبياء].


(١) الأَوْجُ: ضد الهبوط. (قاموس).

(٢) الحضيض: قرار الأرض. (قاموس).

(٣) الرّكْسُ: رد الشيء مقلوباً، وقلب أوله على آخره. (قاموس).

(٤) مفعول «مناهم». (حاشية على الأصل).