الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

تتمة لباب التوحيد

صفحة 329 - الجزء 1

  وقال #: (واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أَغْنَاهُم عن الاقتحامِ لِلسددِ المضروبةِ دون الغيوب الإِقْرَارُ بجملةِ ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فَمدح اللهُ اعترافَهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به عِلماً، وسَمّى تركَهم التعمقَ فيما لم يُكَلِّفْهم البحثَ عنه رُسُوخاً).

  ويروَى له # أو لأبي بكر:

  العجزُ عن دَرَكِ الإِدراكِ إدراكُ

  والبحثُ عن محضِ كُنْه الذاتِ إشراكُ⁣(⁣١)

  وقال #: (سبحانك فلسنا نعرف كنه ذاتك، غير أنا نعرف أنك حي قيوم). وقال #: (فهاتِ أيّها المتكلفُ لِأَن تَصِف ربَّك صف لنا جبريلَ؟). إلى غير ذلك من كلامه #.

  وقال القاسم #: جعل الله في المكلفين فَنَّيْن العقل والروح، وهما قوام الإنسان لدينه ودنياه، وقد حواهما جسمه، وهو يعجز عن صفتهما، فكيف يتعدى بجهله إلى عرفان ماهية الخالق؟!

  وقال بعض العلماء الموحدين: مَن اطْمأنَّ إلى موجودٍ أَدركَ حقيقتَهُ فَهو مُشَبِّهٌ، ومَن اطْمأنَّ إلى النَّفي المحض فَهو مُعطِّلٌ، ومَن قَطعَ بموجودٍ يَعجَزُ عن إِدْراكِ حقيقَتِه فَهو مُوَحّدٌ.

  ولله ابن أبي الحديد حيث يقول:

  سَافَرَتْ فيكَ العقولُ فَمَا ... رَبِحَتْ إلا أذَى السَّفَرِ

  رَجَعَتْ حَسْرَى وَمَا وقَفَتْ ... لا عَلَى عَيْنٍ ولا أَثر


(١) وفي ديوان الإمام علي بن أبي طالب طبعة ١٤١٦ دار الكتاب العربي بيروت أنه عن أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ~ وهي بيتان:

العَجْزُ عنْ دَرَكِ الإِدْرَاكِ إدْرَاكُ ... والبحثُ عن سرِّ ذات السرِّ إشْراكُ

وفي سرائرِ هِمَّاتِ الورى هِمَمٌ ... عن دَرْكِها عَجِزَتْ جنُّ وأمْلاَكُ