الفرق بين العدل والتوحيد
  بالأفعال، والتوهم تصور الذوات، فلا يحصل القول بالعدل إلا بعدم اتهامه بفعل كذب أو ظلم أو عبث، ولا يحصل القول بالتوحيد إلا بعدم توهمه تعالى وتصوره على أي كيف، لأن كلما توهمه الوهم أو تصوره الخيال فهو مخلوق مجعول على ذلك الكيف.
  فانظر إلى هذا الكلام البالغ من الفصاحة الغاية، والآخذ من البلاغة موضع النهاية؛ لإحاطته بالمعنى من دون زيادة عليه، مع الإيجاز الذي لا يمكن اختصار شيء منه، إلى ما ينضم إلى ذلك من علم البديع الراجع إلى تحسين اللفظ بالتجنيس والتسجيع، وتقارب اللفظين واتفاقهما في أكثر الحروف، وتواردهما من باب واحد وهو النفي المقرون بأَنْ المفسِّرة، ولِمْ لا وهو كلام أخي رسول الله الأمين، وشبيه أنبياء الله الأولين، باب مدينة علم المصطفى، ومعدن حكمته لمن اتبع هديه واقتفى.
  ثم أطلق العدل في تعارف المتكلمين على العلم بعدل الله وحكمته، وتنزيهه عن فعل القبيح كما أطلق التوحيد عندهم على العلم بالله تعالى وما يجب له تعالى من الصفات والأسماء، وما يجب نفيه عنه تعالى منها، ومنه قوله ¦:
  لو شُقَّ عن صَدْرِي وجَدُوا وَسْطَهُ ... سَطْرَانِ قَدْ خُطَّا بلا كَاتِبِ
  العدلُ والتوحيدُ في جانبٍ ... وحُبُّ أَهْلِ البيتِ في جَانب
  فمن قال: إن الله تعالى لا يفعل القبيح كالظلم والكذب والعبث والسفه، وأنه لا يخل بالواجب من جهة الحكمة كالإنصاف للمظلوم من الظالم، والبيان للمكلف بما كلفه، وتمكينه منه ونحو ذلك، وأن أفعاله كلها حسنة - فهو عالم بالعدل، ويقال له: عَدْلِي.
  ومن أخل بشيء من هذه الثلاثة الأطراف كقول المجبرة: إن الله تعالى خلق الظلم والكذب وسائر الفساد في العباد، وأنكروا وجوب إنصاف المظلوم من الظالم، وجوزوا تكليف مالا يطاق، وقالوا: إن العقل لا يدرك في أفعاله تعالى