[فصل:] في الكلام في أن الله تعالى عدل حكيم
  الأفعال التي لا ينضم إليها غيرها، وما استوى إيقاعه على وجه واحد، كتحريك اليد، وتسكين ما هو متحرك، ونحو ذلك؛ فإن ذلك لا يتصف بالإحكام، لكنه إن فعل لغرض صحيح وصف بالحكمة، وإلا فلا أيهما.
  قال #: (فإن قيل) لك أيها الطالب الرشاد (أربك عدل حكيم؟ فقل: أَجَل) أي: نعم. ولا خلاف أنه يوصف تعالى بأنه عدل حكيم بين كل من أقر بثبوت الصانع تعالى، والخلاف في ذلك لأهل الإلحاد، لكن ذهبت المجبرة إلى خلاف ذلك في المعنى، حيث نسبوا إليه تعالى كل قبيح من أفعال العباد، كالكفر والفسق والظلم والكذب وغير ذلك من القبائح وأنواع الفضائح، فلم يبق لوصفه تعالى بأنه عدل حكيم على قولهم إلا اللفظ دون المعنى؛ لما عرفت من أن العدل: هو من لا يفعل القبيح ولا يخل بما يجب من جهة الحكمة وأفعاله كلها حسنة، والحكيم: هو فاعل الحكمة.
  فإذا كان تعالى - على زعم هؤلاء القوم - هو الفاعل لكل ما في الوجود من أنواع القبائح وأصناف الفضائح لم يبق من ذلك العدل والحكمة قليل ولا كثير؛ لأنه وإن فعل ما يقابل تلك القبائح من الإيمان والطاعات والصدق والعدل والإحسان في المؤمنين فإنه لا حكم لوجود هذه الأفعال الصالحات فيمن فعل تلك الأفعال المقبحات؛ ولهذا انعقد الإجماع أن الإيمان وسائر أعمال الطاعات لا تصح من الكافر؛ لاستحالة صحة الاتصاف بصفة من الصفات مع نقيضتها؛ ولهذا قال في الأساس وشرحه: قالت العدلية: والله عدل حكيم لفظاً ومعنى. وقالت المجبرة كافة: الله عدل حكيم لفظاً لا معنى.
  وقال القرشي | في المنهاج ما لفظه: ذهب أهل الحق إلى أنه تعالى عدل حكيم، ولم يسمع عن أحد من أهل الجبر هذا القول، ولا ذكرت هذه المسألة في شيء من كتبهم الكلامية، وإن كانوا لو سئلوا عن ذلك لما وسعهم إنكاره.