[فصل:] في الكلام في أن الله تعالى عدل حكيم
  قلت: أما حكيم فقد وجد في كتبهم بمعنى متقن، من الإحكام لا من الحكمة فهم يبالغون في نفيها عن الله؛ لزعمهم أن في إثباتها إثبات الغرض، وهو الفعل للمصلحة، ولا مصلحة لله؛ لأنه غني، ولا للعبد في الدنيا؛ لأن في التكليف عليه مشقة، ولا في الآخرة؛ لأنه قادر على إيصال الثواب إليه بلا تكليف؛ فلا مصلحة حينئذ في التكليف ولا حكمة فيه. ونحن نقول لهم: هذا مبني على أن فعل الطاعات وترك المعاصي ليس فيه أداء شكر المنعم، ومبني على أن شكر المنعم لا يجب، ومبني على أنه يصح الابتداء بالثواب وفعله لمن لا يستحقه، والكل غير مُسَلَّم كما سيأتي تقرير كل من ذلك في موضعه.
  سؤال: يقال: قد وجد وصفه تعالى في القرآن بالحكيم وتسميته تعالى بهذا الاسم الشريف بما لا مزيد عليه، فأما وصفه تعالى وتسميته بالعدل فَلِمْ لا يوجد في القرآن، مع أنه من أجل الأسماء وأعظمها وأشرفها بلا تناكر، فما الجواب على ذلك، وما هو السر والنكتة في عدم ذكره ووروده في القرآن كالحكيم؟
  والجواب - وبالله التوفيق -: أما كونه لم يذكر بلفظه في القرآن فلأنه لما كان معناه: أنه لا يفعل القبيح ولا يخل بما يجب من جهة الحكمة، وقد ذكر سبحانه اتصافه تعالى بهذين المعنيين في الكتاب بما لا مزيد عليه - استغنى عن ذكر لفظه كما استغنى عن ذكر كونه تعالى موجوداً وكونه قديماً؛ للعلم الضروري المقتَضَى عن كونه خالقاً قادراً عالماً حياً غير محدَث. وأما السر والنكتة في عدم ذكر لفظ هذا الاسم الكريم والاستغناء عن ذكره بما ذكر من معناه المراد - وهو أنه لا يفعل القبيح ولا يخل بما يجب من جهة الحكمة - فلأن لفظ العدل لما كان في أصل اللغة من أسماء الأضداد - كما ذكرنا في أول الباب يطلق تارة على الإحسان والإنصاف، وتارة على الجور والميل - حسن عدم ذكر اللفظ بذاته؛ لاشتراكه بين المعنيين المذكورين، سيما إذا علم الله سبحانه أن أهل الزيغ والضلال يجعلون ذلك طريقاً إلى القدح في القرآن، وذريعة إلى جواز أن الله يفعل القبيح، فهذا ما ظهر، والله أعلم.