[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  فعل وقد شوهد ذلك منه وتيقن أنه فعله تكون يمينه بارة، أو حلف أنه فعل ما شوهد وقوعه منه أن تكون يمينه فاجرة، ومثل هذا تعكيس ورد وإبطال للشرائع، وقلب لحقائق الأشياء، وسفسطة، ورفع لقضايا العقول، ونقض لما جاءت به الرسل من الشرع المنقول.
  قال القرشي |: وبالجملة فلو جمعت أهل الجبر في صعيد واحد ثم رأوا رجلاً يقتل آخر أو يأخذ ماله واستشهدهم بعض الحكام لشهدوا أنه قاتله، ولما خالجتهم شبهة في ذلك، ولو كان الحق فيما ذهبوا إليه لكانت شهادتهم عليه في ذلك زائرة. انتهى كلامه، والمسك ختامه.
  وأما أنها تنتفي بحسب كراهة العبد وصارفه فهو معلوم - أيضاً - ضرورة؛ لأنه إذا رأى ما يضره أو يؤذيه من السمومات والحرشات وسائر المضار والمشاق لم يفعل ما يوصله إليه فلا يحصل منه الفعل أصلاً على وتيرة واحدة، وطريقة مستمرة لا تختلف، ولو كانت من الله تعالى لاختلف فيها الحال، فتارة تحصل فيه ولو كرهها وتجنب الوصول إليها، كالأمراض، وتارة لا تحصل ولو تعرض للوصول إليها كالأمراض أيضاً.
  وبعد، فكان يلزم تجويز مثله في سائر أفعال الله تعالى إذا قصدنا حصوله فينا: من الصحة وحسن المنظر وضخامة الجسم، وكذلك إذا قصدنا مثل ذلك في الغير الحبيب كالولد ونحوه، أو ضده في العدو والبغيض؛ لأنه إذا كان الكل من فعل الله تعالى، وتوقف حصول ما هو فينا من الأفعال الاختيارية على قصد حصولها، ثم شاركها غيرها من سائر أفعاله تعالى فينا أو فيمن قَصَدْنا حصولها فيه - كان الكل من واد واحد وباب متحد، وتجويز مثل ذلك هوس وسفسطة بلا ريب.
  وبعد، فالقول بأنها من الله تعالى مع الاتفاق على نسبتها إلى العبد إثبات ما لا طريق إليه، وإثباتُ ما لا طريق إليه باطل قطعاً، وإلا لقلنا بوجود آدم من الجن