[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  غير هذا المعروف أنه أب البشر #، وإن أولاد ذلك الجني تشكلوا واختلطوا والتبسوا بأولاد هذا #، وذلك باطل قطعاً.
  فإن قيل: مَنَعَ من هذا السمع فلا يتقدر؛ لأنه مصادم له.
  قلنا: كلامنا في المسألة قبل الالتفات إلى السمع، بل بالنظر إلى الأحكام العقلية، وأيضاً فالسمع قد منع من تجويز الجميع، فإنه كما ورد أن هذا الإنسان من نفس واحدة فقد ورد بأن أفعال العباد منهم لا منه تعالى، كما قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}[المؤمنون ٦٣].
  وبعد، فكان يلزم أنا نجد من أنفسنا - لو كانت الأفعال مخلوقة فينا - أنا مدفوعون إليها على وجه لا نقبل الانفكاك عنها، كالمتردي من شاهق يجد من نفسه الهُوِي والسقوط إلى تحت ولا يقبل الانفكاك عن ذلك، والضرورة تدفعه.
  وبعد، فلو جوزنا أنها من فعل الله تعالى لجوزنا أنها من فعل غيره تعالى من الملائكة والجن، لأن تقدير كونها ليست من فعلنا ليس بموجب كونها من فعل الله تعالى إلا إذا استحال وجود ثالث، سيما على أصولهم أن الشيطان وسائر الجن قادرون على التشكل والتلبس بالإنسان، فليس لهم منعه، ونحن وإن منعناه فإنما أوردناه معاملة للخصم بمجرى مذهبه.
  وأما الأصل الثاني: وهو أنها لو لم تكن من أفعالنا لما وجبت فيها هذه القضية - وهي توقفها على دواعينا وإرادتنا وصوارفنا وكراهاتنا وجوداً وانتفاءً - فهو أيضاً معلوم ضرورة، وإلا لكانت بمثابة الصور والألوان لا تحصل فينا عند دواعينا وإرادتنا، ولا تنتفي بحسب كراهاتنا وصوارفنا، وهذا كما ذكر في الدليل السابق من قياس الأفعال على الصور والألوان لو لم تكن الأفعال من لدينا في عدم توقفها على قصودنا ودواعينا وإراداتنا لكنها لما لم تكن من فعل الله تعالى توقفت على قصدنا وداعينا، وانتفت بحسب قصدنا وصوارفنا، عكس الصور والألوان، فالأصل الصور والألوان، والفرع أفعالنا، والعلة التي افترقا فيها التوقف على القصد