الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 391 - الجزء 1

  قلت: فقد رأيتَ أيها الطالب الرشاد جميعَ هذه الأقوال في تفسير الكسب على اختلاف العبارات رجوعها الجميع إلى أن الكسب من فعل الله تعالى، بعضها بالصراحة وبعضها باللزوم الذي لا مخلص عنه، فَإنْ جروا على ذلك كَان كل مَن قال بالكسب زاد على الجهمي بإثبات الجبر من جهتين: من جهة الخلق، ومن جهة الكسب، فيكون جبراً مضاعفاً، وإن لم يجروا علِيه كان الكسب غير معقول لا محالة، وعلى كلا الحالين يكون كل أشعري ونحوه جَهْمِيِّين وقَدَرِيِّين ومجُبريين ومُفتريين.

  قالوا: الدليل على إثبات الكسب: أنه لَمَّا صَحَّت أدلةُ أن الفعل بخلق الله تعالى، وعَارَضَ ذلك الفرقُ الضرورُّي، وهو الفرق بين حركة الصاعد وحركة الساقط، وتَرتب المدح والذم على الاختياري دون غيره - لَم يَكُن بد من أمر يحصل به الفرق بين المختار فيه وبين المضطر إليه، يكون تعلق الفعل بالعبد باعتباره، مع استقلال قدرة الرب تعالى به، ولا يضرنا عدم معرفة ذلك الأمر على جهة التعيين والتفصيل. حكى ذلك عنهم السيد هاشم |، وأجاب عليهم بما معناه: بِأن العبد لا يخلو: إما أن يُخرِجَ بقدرته من العدم إلى الوجود مَا يصح أن يتعلق به الأمر والنهي، ويقع باعتباره المدح والذم، ويترتب عليه الثواب والعقاب تسمونه كسباً، أوْ لا يُخرِجَ بقدرته شيئاً كذلك، إِن كان الأول لم يبقَ بيننا وبينكم نزاع فيه، وانتقلنا معكم إلى الكلام على ما أثبتم أنه بخلق الله وسميتموه خلقاً، وطلب الفرق بينه وبين ما أثبتم أنه بفعل العبد وسميتموه كسباً، وإِنْ كان الثاني فَهذا هو الجبر الذي فررتم منه وأقررتم بأنه خلاف ما تقضي به الضرورة، ولم يبقَ إلا التعجب من إطباق العقلاء الأذكياء على ما لا يعقل من غير حامل عند إمعان النظر. انتهى.

  قلت: ويقال لهم: إن ما ذكرتموه أول ما فيه أنه مبني على أصل غير مسلم ولا قام عليه دليل، بل قام الدليل على خلافه، وهو قولكُم: لَمَّا صَحَّت أدلةُ أنَّ