[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  الفعلَ بخلق الله تعالى.
  ثانياً: أنكم قد أقررتم أنه عارضَ ذلك الفرقُ الضروريُّ، فأي صحة لما عارض الضرورة؟ إذاً لصحت أقوال السُّوْفَسْطَائِيَّة المعارضة للضروريات.
  ثالثاً: أنكم علقتم ذلك الفرقَ الضروريَّ بِالاختيارِ وعدمِه بين حركة الصاعد وحركة الساقط، وعلّقتم المدح والذم والثواب والعقاب بِالاختياري دون الاضطراري، وهذا يدلُّ على أنَّ الفعل الاختياري من العبد لا من الله تعالى بالخلق؛ إذ لو كان بخلقه تعالى لما صح ذلك الفرق الضروري، ولما صح تعلق المدح والذم والثواب والعقاب به؛ لأن كل أفعال الله تعالى لا يصح أن يضاف إلى العبد أو يعلق به شيء من ذلك.
  رابعاً: أنكم قلتم: مع استقلال قدرة الرب تعالى به - أي: بالفعل - فلئن كانت قدرة الرب تعالى مستقلة بالفعل لَم يبق للكسب معنى يشار إليه، ولا شيء يعول عليه، سوى دعوى ما ليس له في الخارج وجودٌ سميتموه كسباً.
  خامساً: أنكم قلتم: ولا يضرنا عدم معرفة ذلك الأمر على جهة التعيين والتفصيل - فنقول: إذا لم يعرف لكم ذلك الأمر على جهة التعيين كان إذاً ملتبساً بجميع ما عداه من سائر الموجودات إن زعمتم وجوده، أو من سائر المعلومات إن اشتبه عليكم الأمر بين وجوده وعدمه؛ لأن ما لم يعرف على التعيين والتفصيل كان ملتبساً بجميع ما عداه من الموجودات أو المعلومات. فهذا ما يقال لهم فيما استدلوا به على ثبوت الكسب على الإجمال.
  وأمَّا ما يقال لهم في إثباته مِن حيث هو فَيقال: وكيف يصح لكم الاعتماد في أصل من أصول الدين المهمة على ما أقررتم أنه غير معلوم لكم على التعيين والتفصيل؟ وكيف تذمون مَن أنكر ثبوت ما لا تعرفونه بإقراركم؟ وكيف تُبعث الرسل وتُنزَّل الكتب من الله تعالى لِطلب ما ليس بمعين ولا معلوم للخلق المكلفين على التفصيل؟ وهل هذا إلا كالتكليف بالمجهول المتوغل في