الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 393 - الجزء 1

  الجهالة إلى حد التعذر والاستحالة؟

  ويقال لهم أيضاً: إِذا خلق الله الفعل في العبد فهل يقدر العبد أن لا يكتسبه أم لا؟ إن قلتم: نعم كان الفعل موجوداً بالنسبة إلى أن الله خلقه، معدوماً بالنسبة إلى أن العبد لم يكتسبه، وذلك محال، وإن قلتم: لا كان إذاً مُجْبراً على الكسب. وكذلك في صورة العكس إذا لم يخلق الله الفعل في العبد فَهل يقدر العبد على أن يكتسبه أم لا؟ إن قلتم: نعم كان الفعل معدوماً بالنسبة إلى أن الله لم يخلقه، موجوداً بالنسبة إلى أن العبد اكتسبه، وذلك هو المحال بعينه، وإن قلتم: لا كان العبد إذاً ممنوعاً من الفعل مُجْبراً على تركه، والضرورة التي قد أقررتم بها تدفعه.

  ويقال لهم أيضاً: الكسبُ شيء خلقه الله أو شيء لم يخلقه الله؟ إن قلتم: بالأول كان جبراً مضاعفاً؛ من حيث كان جبراً على الفعل وجبراً على الكسب، وإن قلتم: شيء لم يخلقه الله فقد أثبتم أن العبدَ فاعلٌ لشيء لم يخلقه الله، فارضوا مِنَّا في جميع أفعال العبد بذلك.

  ويقال لهم أيضاً: إِذا كان الكفرُ: من الإلحاد والتعطيل والشرك بالله تعالى وتكذيب أنبيائه المرسلة وِإنكار كتبه المنزلة والتكذيب باليوم الآخر، وكذلِك الفسق على جميع أنواعه: من الزنا وشرب الخمر وقتل النفس المحرمة وقذف المحصنات وقطع الصلاة والصوم والحج وغير ذلك - خلقاً لله كسباً للعبد فهل حَسُنَ ذلك كله لأجل الخلق أم قبح لأجل الكسب والنهي؟ وأي الجهتين أولى بأن يتبعه الحكم بالحسن أو القبح، وأولوية الوقوع أو العدم - هل جهة الخلق. كان إذاً إيجاد الكفر والفسق على جميع أنواعهما وأصنافهما حسناً وأولى بالوقوع، أم جهة الكسب والنهي فما تقولون إذا اكتسب العبد ما ذكر من أنواع الكفر والفسق مع ورود النهي عنها المعلوم بضرورة الدين؟ أيهما أولى بالحكم والوقوع هل الكسب لموافقته لخلق الله ذلك الفعل - كان كسب العبد لِما ذكر من أنواع الكفر والفسق حسناً وأولى بالوقوع، وفي ذلك رد ما جاءت به الرسل - أم الترك امتثالاً للنهي؟