الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 394 - الجزء 1

  خرجتم عن مذهبِكم، فإن لم تخرجوا عنه فليس إلا عناداً وجدالاً بالباطل.

  لَكِنَّا نُتمُّ الكلامَ والمذاكرةَ معكم بناءً على إصرارِكم القبيح ومذهبِكم الفضيح، ونقول: إِذا كان تَركُ العبدِ كسبَ الكفرِ والفسقِ أَوْلى، وقد وقع الكفرُ والفسقُ على جميع أنواعهما بما لا مزيد عليه، وكل ذلك بفعل الله وخلقه وإرادته - فَكيف تجعلون تركَ العبدِ ومخالفةَ الله ومعارضتَه في مشيئته وقدره وقضائه هو الأوْلى بالوقوع والأحسن؟ فَأنتم حينئذ لم تؤمنوا بالقضاء والقدر خيره وشره، ثم ما جوابكم إِذا اعتذر إليكم أيُّ كافر أو فاسق بأني كنت أريد أنْ أكتسب الإيمان والطاعات وأترك كسب الكفر والمعاصي، ولكن غلبتني جِهةُ خلق الله فِيَّ ذلك الكفر أو الفسق، ولم أتمكن بجهةِ كسبي مِن فعل الإيمان والطاعات، ولا مِن ترك الكفر والمعاصي - أكنتم تصدقونه؟ فاعذروه عن كفره وفسقه؛ لأنه أجاب عليكم بعين مذهبكم، ورُدّوا اللائمة على مَن أوقعه فيما كان إنكاركم عليه وعتابكم، أم تكذبونه؟ فكيف وهو لم يَعْدُ مذهبكم قِيد شبر، ولا حَادَ عنه قَدر ظُفرْ. قد حَكى الله عن موافقيكم في المعنى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}⁣[الأنعام ١٤٨]، ثُم بيَّن بطلانَ قولكم وقولهم بقوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}⁣[الأنعام ١٤٨]، لقد صاحَ إبليس اللعين في أنديتكم بهذه المقالة فَاستمعتموه، وصَدَّق فيكم ظَنَّه فَاتبعتموه، واتخذَكم أعواناً على دعائه الخلقَ إلى الكفر والفسوق والعصيان فَعاونتموه، وجَعلَكم إخواناً له لموافقتكم قولَه: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}⁣[الحجر ٣٩]، فَقرّرتموه، {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}⁣[الزخرف ١٨].

  ولنقبض الكلام يا همام في هذا المقام، فالإكثارُ من التكلم عند الأصم لا يزيده إلا صَمَمَاً، واستجوابُ الأبكم لا يستزيده إلا بَكَما، وإِنَّما بسطت بعض البسط في شأن الكسب لَمَّا رأيت شدةَ ولع القوم به، مع أنه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ولقد ذاكرت فيه كثيراً من مشيختِهم وطلبتِهم، فلم أجد