[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  عندهم مما يدل على علمهم به غير التسمية، ومَا وجدت له ثمرةً لديهم سِوى تمشية القول بالجبر والتَّعمية، وإذا أوْردتُ عليهم شيئاً مما ذكرتُ في هذا الموضع أو نحوه لم أجدهم إلا بين منقطعِ اللسان تعرفُ في وجهه المنكر، وبين نَاقِمٍ على الجهمية والمعتزلة في عدم القول به ولو لم يعقل له معناه ويتقرر، يذم القدريةَ وهو موافقُهم في جميع عقائدهم الفرية، وَينقِمُ على العترة الزكية عدمَ لهجهم بالقدر معه في كل قضية، وإِذا تَلوتَ عليه آية من كتاب الله لَم يرفع إليها طرفاً ولا رأساً، وإذا حكيت له حديثاً أو قولاً عن عترة رسول الله ÷ لم ير في مخالفته بأساً، {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}[الجاثية ٨]، وينظر الأدلةَ القاطعةَ تقام عليه ثم يعرض عنها كأن قد أوحي إليه أنْ لا يَتَّبِعها، {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥٠}[القصص ٥٠].
  الرابع: أن الله تعالى خلق للعباد قدرة يتمكنون بها من الأفعال فعلاً وتركاً، ولها عندنا ثلاثة أحكام:
  أحدها: أنه تعالى (أقدرهم على فعل الضِّدَّين) الإيمان والكفر.
  وثانيها: أنها متقدمة على الفعل.
  وثالثها: أنها غير موجبة للفعل.
  وقد خالف في ذلك المجبرة، أما الجهمية فأنكروا أن الله تعالى خلق للعباد قدرة، وأما الأشعرية فخالفوا في أحكامها الثلاثة، فأنكروا كونها صالحة للضدين، وأنها متقدمة، وقالوا: إنها موجبة للفعل. وهذه الأحكام الثلاثة متلازمة، ولازمة القول بالعدل.
  والحجة لنا على الجهمية في إثباتها: أنها لو لم يخلقها الله في العباد مع أنهم مكلفون لما صح تكليفهم أصلاً؛ إذ لا يصح توجيه التكليف إلا إلى القادر.