[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  ظهر لك ضعف جعل نسبة الفعل إلى العبد مجازاً مختصاً بالجهمية، وأنه جار على قواعد الأشعرية، بل ترقَّى محققهم إلى ما سمعت. انتهى كلامه ¦.
  قلت: والعجب كل العجب من السعد وأمثاله من المحققين في علم العربية - النحو والبيان - وسائر علوم الآلة، كيف يضيعونها عند الحاجة لإعمالها فيما وضعت له؟ وكيف يسوغون إهمالها عند الافتقار إليها لتقريب مناله؟ فإن أهل النحو قاطبة - على تجمعهم من عدلي وجبري، وبدوي وحضري - متفقون على أن الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فاعل في اللفظ والمعنى، كقام زيد، وفاعل في اللفظ دون المعنى، كمرض عمرو، وفاعل في المعنى دون اللفظ، نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[الفتح ٢٨]، وأهل البيان اتفقوا - مع كونهم بين مجبري وعدلي - على أن الإسناد ينقسم إلى:
  حقيقي: وهو إسناد الفعل إلى ما هو له عند المتكلم، وهو الفاعل إن كان الفعل غير مغير الصيغة، أو المفعول إن كان مغير الصيغة، كسرق المتاع.
  وإلى مجازي: وهو إسناد الفعل إلى سائر ملابسات الفعل من الآمر به أو المصدر أو الزمان أو المكان أو السبب أو الآلة.
  ثم إذا انتقل هؤلاء المحققون في علوم الآلة، والمدققون لها بلا اشتباه عليهم لشيء منها ولا جهالة، والمتصفون في إحاطتهم بها كإحاطة الهالة - إلى علم المعقول الذي يتوصل به إلى معرفة العدل والتوحيد وغيرهما من أصول الدين الذي ما مَثَلُ سائر العلوم مع فقده إلا كالجسد بلا روح تركوا تلك العلوم الآليَّة وراء ظهورهم كأنهم لا يعقلون، ألا ترى السعد في شرحه للتلخيص في علم البيان جعل إسناد كل فعل إلى فاعله عند المتكلم [إسناداً](١) حقيقياً ثم هاهنا في كلامه الذي مرّ ترك هذه القاعدة، وجعل جميع الإسنادات في أفعال العباد من
(١) نخ.