[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ ...} إلى {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} من الإسناد المجازي، مع أنه لم يَعُدَّ في كتبه البيانية والنحوية الإسناد المجازي إلا فيما أسند إلى الآمر أو المصدر أو نحوهما مما ذكره، وقد كانت هذه الإسنادات التي من: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ ...} إلى {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} مما أسند إلى غير هذه الملابسات؛ فيجب أن يكون الإسناد في {يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} من الإسناد إلى الفاعل عنده؛ فيكون من الإسناد الحقيقي، ولا يكون من المجازي في شيء؛ إذ لا يستقيم أن يكون داود # في قوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}[البقرة ٢٥١] آمراً بالقتل ولا مصدراً له، ولا ظرفاً(١) ولا زماناً، ولا سبباً ولا آلة، ولا غير ذلك من الملابسات، سوى أنه فاعل عند المتكلم بذلك الذي هو أصدق القائلين، وانظر إلى اضطراب كلامه في العلاقة التي لا يصح المجاز إلا معها:
  فأولاً: حمل تلك الألفاظ من قوله: {يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} أنها مجازات عن السبب العادي، ويريد بالسبب العادي هو الكسب الذي يزعمه على حسب ما مر من نقل مذهبه، ثم فسره بقوله: أي: من صار سبباً عادياً، و «مَنْ» في أصل اللغة موضوعة لمن يَعْقِل، فكيف فسر بها ذلك السبب العادي الذي هو الكسب عنده؟ فحينئذ فقد فسر الكسب بالإنسان نفسه؛ لأنه هو الذي يصلح أن يقال فيه: من صار سبباً عادياً للأعمال الصالحات، ثم حكم على جميع آي القرآن بقوله: وعلى هذا القياس، يعني إلى قوله: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}، فيصير داود # وكل من أسند إليه فعل من جميع الخلق هو نفس الكسب، فاعجب لمثل هذه المقالة تصدر عن مثل هذا النحرير.
  ثانياً: قوله: أو أن الإسنادات مجازات لكون العبد سبباً لهذه الأفعال. وهذا هو
(١) أي: مكانًا.