الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 416 - الجزء 1

  جنسه؛ لأن وجوده قد أغنى عن وجود ما هو من جنسه ليجعله على تلك الجنسية، ألا ترى أن البياض لا يحتاج إلى بياض يجعله أبيض؛ لأنه قد استغنى عن بياض غيره ببياض نفسه، وهكذا جميع الأجناس، كالدسومة فإنها لا تحتاج إلى دسومة أخرى حتى تصير دسومة، والحموضة فإنها لا تحتاج إلى حموضة أخرى حتى تصير حموضة. وبعد، فهذا وارد عليهم في الكسب وفي أفعال الله تعالى، فما أجابوا فهو جوابنا.

  قال القرشي ¦: واعلم أن هذا شيء أوردته الفلاسفة في حدوث العالم، إلى أن قال: وقد أجاب به - يعني بالجواب الذي أجبنا به على المجبرة - الرازي في كتاب الأربعين على الفلاسفة، فما باله صادر عليه هنا وحرره شبهة لو صحت لبطل الصانع الخ، وحينئذ فنقول للرازي: ما أجبت على الفلاسفة به وأجبتم علينا به في الكسب وفي أفعال الله تعالى فهو جوابنا.

  قالوا: لو كان العبد فاعلاً لأفعاله لقدر على إعادتها.

  قلنا: وما تريدون بقولكم: لقدر على إعادتها، هل تريدون إرجاعَ ما قد برز إلى الوجود وإعادتَه إلى حيز العدم، فهذا لا يلزم القدح علينا؛ لأن الأفعال تنقسم منها ما يصح إعدامه، وهو كل ما يبقى من الأفعال كالأكوان ومثلها الأعيان، لكنها خاصة بالله تعالى، فلا يقدر على إعدامها إلا الله تعالى القادر على إيجادها، والأكوان مسلم أنا نقدر على إعدام ما قد أوجدناه منها كالقيام والقعود والحركة والسكون، ومنها ما لا يبقى، بل يعدم في الوقت الثاني إلا لتجدد الإيجاد كالأصوات والآلام؛ فلا معنى لإلزامنا إعدامه، وإن أردتم أن يفعل ثانياً عين ما فعل أولاً فهذا تحصيل حاصل، وهو محال في نفسه من أي فاعل كان، وإن أردتم أن يفعل ثانياً مثل ما فعل أولاً فمسلم، فإن أحدنا إذا قال: «بسم الله» في الوقت الأول فهو يقدر على مثلها في الوقت الثاني. وبعد، فهذا وارد عليهم في الكسب، فما أجابوا به فهو جوابنا.