الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 417 - الجزء 1

  قالوا: لو كان أحدنا محدثاً لِفِعْل لقدر في الوقت الثاني على فعل ما قدر عليه في الوقت الأول، والمعلوم أن من كتب حرفاً فإنه لا يقدر أن يكتب مثله من كل وجه.

  قلنا: ولِمَ وجب أن من فعل فعلاً وجب أن يفعل مثله في الوقت الثاني، فإن أقاسوه على الباري تعالى منعنا الجامع؛ لأن القديم قادر بذاته، فيصح منه تعالى كل فعل في كل حين، والعبد قادر بقدرة يجوز عليها الزيادة والنقصان والعدم والبطلان، وتتعلق بمقدور دون مقدور، على أن الكاتب الماهر يسوي بين حروفه حتى يلتبس بعضها ببعض، وإن وقع اختلال فلجواز أن يتغير حال القلم أو يحمل من المداد أكثر أو أقل مما حمل أولاً. وبعد، فهذا وارد عليهم في الكسب، فما أجابوا به فهو جوابنا.

  قالوا: سبق في علم الله أن العاصي يفعل المعصية، فلو لم يفعلها لكشف عن الجهل.

  قلنا: وكذلك سبق في علم الله أن الله تعالى ينزل الأمطار وينبت الثمار، فلو لم يفعلها لكشف عن الجهل، وكذلك سبق في علم الله أن العبد يفعل الكسب، فلو لم يفعله لكشف عن الجهل، فما أجابوا به فهو جوابنا، وهذا الجواب إلزاميٌ ومعارضةٌ للقول بمثله.

  والجواب الحقيقي الذي به يقعُ حل السؤال، ويندفعُ به نفس الإشكال - هو أنا نقول: لا يلزم من سَبْق العلم بوقوع الفعل الجبر على فعله؛ لأنه سَبَق العلم أنه على جهة⁣(⁣١) الاختيار، فلو أجبره لكشف عن الجهل أيضاً، فلم يكن القول بالجبر مخلصاً عن الإشكال والسؤال، بل المخلص عنه أن يقال: لا يلزم من سبق العلم الإجبار على فعل المعلوم؛ وإلا لزم أن الله تعالى لا يقدر على ترك ما علم أنه سيفعله، ولا على فعل ما علم أنه لا يفعله، وكذلك ما ألزمناهم به في


(١) سبيل. نخ.