[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  الكسب فإنهم يقولون: إنه غير مجبر(١) عليه وسبق في علم الله أن العبد سيفعله(٢)، وحينئذ فقد ورد عليهم فيه ما أوردوه علينا في نفس الفعل، فهم ملزومون الجواب في الكسب وفي فعل الله تعالى، ومن المعلوم أنهم لم يجيبوا على أيهما إلى الآن، ونحن لم نكن مخطوبين إلا بجواب شيء واحد الذي هو نفس فعل العبد، وقد أجبنا بما لا محيص لهم عن الرجوع إليه حين يريدون الجوابَ علينا في ذينك السؤالين، وحَلَّ كل واحد من الإشكالين.
  إن قيل: هذا الجواب مبني على أنه سبق العلم أن العبد يفعل الفعل على سبيل الاختيار، وهو محل النزاع.
  قلنا: أما الاختيار فهو معلوم ضرورة بالبديهة، وهم لا ينكرونه؛ ولهذا ادعوا لأجله الكسب، وأما أن العبد يفعل الفعل على سبيل الاختيار فقد سبق(٣) تقريره بما لا مزيد عليه، ولأن الجبر ينافي الاختيار، فلا بد من القول بارتفاع أحدهما وبقاء الآخر، والمعلوم بالضرورة أن الاختيار باق، فيجب الحكم بارتفاع المناقض له وهو الإجبار.
  قالوا: لو أحدث أحدنا فعله لسمي خالقاً.
  قلنا: الخلق في أصل اللغة التقدير، ومنه قولُ العرب: خلقت الأديم هل يجيء منه مِطْهَرة، أي: قَدَّرْتَه، وقولُ الشاعر:
  ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْـ ... ـضُ القومِ يخلقُ ثم لا يَفْرِي
  أي: تقطع ما قَدَّرت. فما كان من أفعالنا مُقَدَّراً على حسب ما يلزم أو يتوهم لزومه من الحكمة والمصلحة المعلومة أو الموهومة فملتزم، وقد قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}[المائدة ١١٠]، وهذا مثال ما يلزم من الحكمة
(١) مجبور. نخ.
(٢) أي: الكسب.
(٣) تقدم. نخ.