الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 419 - الجزء 1

  والمصلحة المعلومة، وقال تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}⁣[العنكبوت ١٧]، وهذا مثال ما يتوهم من الحكمة والمصلحة المزعومة، وما كان منها غير مقدر فالسؤال ساقط عنه، وقد مر حكاية الخلاف هل يجوز تسمية أفعال العباد خلقاً أم لا، وقررنا دليل من جوزه.

  وبعد، فلو سلمنا الامتناع لم يسلم تعليله بكون العبد ليس فاعلاً لفعله، بل لأنه قد صار الخلق بعد ذلك غالباً ومستعملاً في خلق الأجسام والأرزاق والإحياء والإماتة، فامتنع إطلاقه على غير الله سبحانه وتعالى؛ لإيهامه الخطأ.

  وأما شبهتهم السمعية فنبطلها أولاً على سبيل العموم والإجمال، ثم نبطلها شبهة شبهة على سبيل الخصوص والتفصيل كما فعلنا في العقلية، فنقول:

  اعلم أيها الطالب الرشاد - وفقك الله تعالى وإيانا - أن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب لإرشاد خلقه وهدايتهم، وجعله نوراً يمشون به في ظلمات المهمات، ومناراً يكشفون به دياجي المشكلات، وجعله هدىً وشفاءً ورحمة للمؤمنين، وحجة وبرهاناً بأيديهم إلى منقطع التكليف، يبرزونه على من شاققهم من المجرمين، وهذا المعنى إنما يستقيم إذا قلنا: إن أفعال العباد إليهم فيها الإيجاد والإعدام والإقدام والإحجام، وإنهم على الصفة التي هي شرط صحة التكليف وحسنه، وهي التمكنُ من الترك والفعل، والعقلُ الكامل الذي يميز به الخطاب بين الجد منه والهزل، أما لو كانوا بمثابة الطفل في حِجر أمه تنقله أينما أرادت، وتقلبه كيفما شاءت، أو كالسطيحة الملقاة على سطيحة الأرض، لا تحرك له إلا بتحريك وليه، ولا انتقال له عن موضعه إلا بتنقيل متوليه - لم يكن لإرسال الرسل بالكتب، والتحريض فيها على الاتباع، والزجر عن المخالفة والامتناع - لم يكن لذلك معنى، بل بطلانه معلوم، إن لم يكن بديهياً فقياساً على هذا الطفل والسطيحة وإن فرضناه عاقلاً، فإن بطلان إرسال الرسل والكتب إليهما بجميع التكاليف أو بشيء منها غير العقليات في حق السطيحة العاقل معلوم ضرورة لا