الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 420 - الجزء 1

  يدفعه إلا من خرج عن دائرة العقلاء، ولا ينكره إلا من انخرط مع أهل العناد الخذلاء، ولا علة لذلك إلا أن كلاً من الطفل والسطيحة لا فعل لهما يتوجه طلبه منهما البتة، وما يتعلق بهما من مصالحهما من الأكل والشرب واللباس وترك ما يضرهم فهو موكول إلى المتولي عليهما والقائم بأمورهما، فيتوجه طلب ذلك وإلزامه المتولي، وقد كان عند الخصم جميع المكلفين بهذه المثابة، لا فعل لأحد منهم يتعلق بمصالحه الدينية أو الدنيوية، أو يعود إلى المضار عليه والمفاسد في دينه أو دنياه - إلا وذلك الفعل من الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك فالاستدلال من الكتاب أو غيره على أن أفعال العباد من الله تعالى لا حاجة إليه؛ لأن الاستدلال من جملة الأفعال المخلوقة، فإن حصل فذاك، وإن لم يحصل فلا لزوم على المكلف في تحصيله، ولا ذم عليه في الإعراض عن القرآن ودليله؛ فينتج عدم وجوب النظر شرعاً بعد أن صرحوا بانتفائه عقلاً، ويلزم تصويب الكفار في إعراضهم عن النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى حق معرفته، وعن النظر في صحة دعوة الأنبياء النبوة، وذلك كفر؛ فيلزم تصويب الكافر في كفره.

  لا يقال: هذا الكلام إنما هو إلزام عقلي، فكيف قلتم إنه ينتج منه عدم وجوب النظر شرعاً مع أن الوجوب الشرعي بمعزل عن ذلك؛ لأن مستنده الأوامر الصريحة كقوله تعالى: {قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣[يونس ١٠١] فلا يصح أن تجعلوا هذا الكلام ناتجاً عن عدم وجوب النظر شرعاً، وتلزموا خصمكم القول به وإن كان قد نفى وجوبه عقلاً.

  لأنا نقول: محصلُ هذا الكلام الذي مر ذكره إلزامُهم ألاَّ يستدلوا بالكتاب ما داموا قائلين بالجبر، ويلزم من منع الاستدلال بالدليل منع دلالة الدليل؛ فلا يحصل الوجوب الشرعي حينئذ للنظر ولا لغيره من جميع ما وجب شرعاً، وهذا هو الوجه الأول من الوجوه التي يرمى بها في وجه العدو عند استدلاله بالسمع حتى يفيء إلى أمر الله، ويرجع إلى الإذعان والتصديق بعدله وحكمته، ويتوب