الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 421 - الجزء 1

  إلى الله تعالى من نسبة القبائح إليه، ويستغفر الله من الافتراء عليه.

  الوجه الثاني: أن القرآن كما ذكرنا في صدر الوجه الأول أنه هدىً وشفاء ورحمة، فَهو لاشك - لكونه هدىً وشفاءً ورحمة - يَكونُ نعمةً من الله تعالى على المكلف، ولا يصح أن يكونَ نعمةً إلا باعتبار أنه تعالى أحدثه وخلقه، وجَعَلَ فيه الإرشاد إلى معرفة مَا أمر الله به، ومعرفة ما نهى عنه، وهذا كما لزم المجبرة بطلانه من جهة خلق الأفعال كما مر تقريره - فهو يلزمهم بطلانه من جهة قولهم: إن القرآن قديم؛ لأنه إذا كان قديماً لم يصح القول بأنه من عند الله؛ لأن القديم ليس من عند أحد؛ لأنه موجود بنفسه بما لا ابتداء لوجوده، فصار نسبتُه إلى الله تعالى، والقولُ بأنه من عنده مجردَ عبارة لا دليل عليها، بل قام الدليل - في زعم المخالف - على بطلانها، فيبطل الاحتجاج بجميع أوامره ونواهيه وجميع دلائله؛ لأنها ليست من عند الله إذا كانت قديمة بذاتها، موجودة دائمة بما ليس له ابتداء ولا انتهاء، مستغنية عن الله تعالى أن يوجدَ كلماتها، أو يُحكِم آياتها؛ لأن هذا كله شأن القديم، فحيث قد قال المخالف بقدم القرآن فقد سد على نفسه الباب، وضرب بينه وبين الاستدلال به كثيف الحجاب.

  الوجه الثالث: أن الكلام من حيث هو لا يصح الاستدلال به إلا لمن قطع بأن المتكلم به صادق حكيم لا يكذب، وهذا وإن قال به المجبرة في اللفظ فإنهم يقولون بما يقتضي نفيه في المعنى؛ لأنهم قالوا: ما من كذب وقع في الخارج إلا وهو تعالى فاعله ومريده وخالقه ومدبره، وكذلك الحكمة ينفونها في جميع أفعاله إلا الأقل منهم؛ وحينئذ فقولهم: إن الله تعالى صادق حكيم لا يكذب إنما هو في الظاهر فقط، فأما في الباطن فهو بخلافه تعالى الله عن ذلك. لا يقال: هذا لا يرد علينا في الاستدلال بالكتاب أو السنة؛ لأنا وإن قلنا: إنه فاعل الكذب وخالقه ومُريده فإنما نعني بذلك الكذب الذي ورد على ألسنة الكذابين، كفرعون والنمرود وهامان وغيرهم من جميع الكفار والكهنة والسحرة وسائر كذب الكفر، وكذلك كذب الفسق من سب المؤمن وقذفه، ويمين الغموس وغير ذلك مما هو بخلق الله تعالى في