[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  ولو علمنا صدقه في أكثر مما أخبر عنه كاذباً، ما لم يعلم توبته أو كان يسيراً على جهة السهو والخطأ أو الإكراه أو نحوه مما جوزه الشرع وإلا فلا، وعليه قوله:
  وَمَنْ يَكُ كَذَّاباً فإِنَّ جَزَاءَهُ ... إذا ما أَتَى بالصدقِ أَنْ لا يُصَدَّقَا
  الوجه الرابع: أن الخبر إذا كان بواسطة مبلغ فلا يصح الاستدلال به إلا مع العلم بصدق المبلغ له، وهم الرسل إلى الخلق، وهذا وإن قال به أهل الجبر فهم لا يتمكنون من نصب أدلته المقتضية القطع بعدم تجويز الكذب من الرسل $؛ لأن أصول المجبرة تقتضي جواز الكذب على الأنبياء في كل ما أخبروا به؛ لأنهم لما عللوا قبح الأفعال بالنهي عنها، والله تعالى غير منهي عن شيء - كان لا يمتنع أن يوحي إلى من يعلم منه أنه سيكذب في جميع ما أمره بتبليغه، فلا ينتج القطع حينئذ بصدق المبلغ؛ لأنه إنما نتج القطع بصدق المبلغ؛ عند أهل العدل لمكان الحكمة من أن الحكيم لا يرسل من لا يأتمنه، فكيف بمن يعلم أنه سيكذب في جميع ما أمره بتبليغه، فصح لأهل العدل القطع بصدق الأنبياء $ وعصمتهم عن الكذب دون أهل الجبر، فهو قول منهم لا مقتضى له، بل ولا أمارة يحصل معها ظن الصدق، بل أصولهم الكاسدة وعقائدهم الفاسدة اقتضت تجويز نقيض الصدق على الرسول والمرسِل، تعالى الله وحاشا أنبياءه $ عن ذلك.
  لا يقال: هذا لا يرد؛ لأن الكذب يقبح من النبي لأنه منهي عنه، ولأنه يقدح في عدالته، وقد انعقد الإجماع على عدالة الأنبياء $؛ فلا يتأتى وقوع الكذب من النبي.
  لأنا نقول: نعم إن الأمر كما ذكرت أن الكذب يقبح من النبي لأنه منهي عنه ويقدح في عدالته، ولكنا ألزمناك على قود مذهبك النكيث واعتقادك الخبيث أنه يصح ولا يمتنع من الله تعالى أن يوحي إلى من علم من حاله أنه سيكذب عليه تعالى فيما أمره بتبليغه، وأما أنه قد انعقد الإجماع على عدالة الأنبياء $ فحجية الإجماع متفرعة على صحة السمع، فلا معنى له فيما نحن بصدده؛ لأنكم