الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 429 - الجزء 1

  هذا السجود طوعاً ولا كرهاً، وإذا بطل هذا المعنى وجب تأويل الآية على وجهٍ يصح، وهو أنه تعالى أرادَ بذلك الانقياد والإذعان لِمَا يحدثه فيهم ويفعله من الخلق والمرض والإحياء والإماتة بهم، وعَبَّر عنه بالسجود كما حَكى عن إِخوة يوسف #: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}⁣[يوسف ١٠٠]، أي: منقادين مذعنين داخلين تحت أمره، وكما قال الشاعر:

  ............. ... تَرَى أَلاَ كَمْ فيها سُجَّداً للحَوافِر

  قالوا: قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.

  وقد مَرَّت الإشارة إِلى هذه الآية ولم يُبين المعنى المراد منها، وإذا أردنا بيان المعنى المراد قلنا: المعنى خلقَكم وخلقَ ما تعملونَه أصناماً، وهي الحجارة والأخشاب ونحوهما؛ لأنه لو أراد ما ذكرتم لناقض التوبيخَ وإسناد النحت إليهم المذكورَين في أول الآية بقوله: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}⁣[الصافات ٩٥].

  قالوا: قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}⁣[البقرة ٢٩]، ومن جملة ما في الأرض الظلم والفساد.

  قلنا: إنه قال: {خَلَقَ لَكُمْ} والظلم والفساد علينا لا لنا، فلم تتناولهما الآية. وأسخف من هذا الاستدلال ما استدلَّ به الرازي في مفاتيح الغيب بقوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}⁣[التغابن ١]، ومن جملة ما في السماوات وما في الأرض الظلم والكفر وسائر أفعال العباد، ولو أنصفَ لَعلم ألاَّ دلالة في الآية؛ لأنها إنما تدل على مطلوبه - إن سلم دلالة عموم - لو لم يوجد المخصص عقلاً ولا سمعاً، فكيف⁣(⁣١) وقد اعتضدا عليه، أما العقل فبما علم من الأدلة السابقة من توقفها على قصدنا وداعينا، وحسن الأمر والنهي ونحوهما بها، وأما السمع فقوله تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ


(١) في (ب): كيف.