[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[فصلت ٤٠]، إلى غير ذلك من الآيات. والمعنى في {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} أنه خلق كل ما يصح الانتفاع به مما في الأرض من الثمار والأشجار والأنهار ونحو ذلك؛ لأنه ساق الآية مساق الامتنان، ولا امتنان على الإنسان في خلق الظلم والفساد عليه، دل الامتنان في عدم إيصال ذلك إليه، وقوله: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يريد من الأجسام الحيوانات والجمادات، والأعراض الضروريات، كالروائح والطعوم والألوان وغير ذلك، لا نحو أفعال العباد فهي خارجة عن ذلك، يدل عليه قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}[البقرة ٢٨٤]، فلو أراد إدخال أفعال العباد في ذلك لما صح هذا التهديد، ولا استقام ذلك الإسناد(١) والوعيد.
  قالوا: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[يونس ٢٢] فنص على أنه تعالى فاعل التسيير.
  قلنا: أما السير في البحر فلا كلام فيه؛ لأن السفن تسير بهبوب الريح أو نحوها كالسفن التي تسير على وقيد النار في زماننا هذا؛ لأن ذلك فعله تعالى بلا ريب. وأما السير في البر فإنما أضافه إلى نفسه سبحانه لأنه من حيث إنه أقدرهم عليه ومكنهم منه بخلق ما يحمل أثقالهم عليه من الأنعام والآلة، وإزالة الموانع والتعويقات، فصح إسناده إليه بهذا المعنى، لا بمعنى أنه يفعله فيهم حقيقة، وإلا لما صح أن يأمرهم به ويحضهم عليه للتفكر، وينهاهم عن المشي مرحا(٢).
  قالوا: قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً}[النساء ٨٣].
(١) في (ب): الاستلام.
(٢) نشير إلى قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ}[الروم ٤٢]، وقوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}[الإسراء ٣٧]. (من خطه ¦).