الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 432 - الجزء 1

  عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}⁣[النساء ٧٨]، ثم رد عليهم بقوله: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.

  قلنا: لم يرد هاهنا بالحسنة والسيئة الطاعة والمعصية؛ إذ لو أرادهما لنقضه بقوله بعدها: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}⁣[النساء ٧٩] وإذاً لما كان لقوله: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}⁣[النساء ٧٨]، معنىً، وإنما أراد بالحسنة ما يستحسنه ويستحليه الطبع من الخصب والرخاء، وسعة الأرزاق، وكثرة الأمطار، وصلاح الثمار، وصحة الأبدان، وصلاح الأولاد والبهائم، وإدرار الضرع، ويناع الزرع، وأراد بالسيئة أضداد هذه المذكورة، وهي ما يسُوء الطباع وتستنفره من القحط والشدة، وتضييق الأرزاق، وقلة الأمطار واجتياح الثمار، ومرض الأبدان، وموت الأولاد والبهائم، وشحة الضرع، وعدم نبات الزرع، فإن حصل لهم الضرب الأول المسمى بالحسنة أقروا أنه من الله، وأن الفضل في ذلك له، وإن حصل الضرب الثاني المسمى بالسيئة نسبوه إلى الرسول ÷ من باب التشاؤم والتطير، حيث كانوا يقولون: هذا من شؤم محمد وأصحابه، كما كان من قوم موسى # حيث حكى الله عنهم: {فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}⁣[الأعراف ١٣١]، فرد عليهم بقوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، يعني النعمة والبلية بالخصب والقحط والشدة والرخاء وسائر ما ذكر من عند الله، ولا نزاع في ذلك، وهو حسن وحكمة وصواب؛ لأن النعمة واقعة على سبيل التفضل والتكرم والرحمة، وذلك حسن بلا ريب، والبلية واقعة بسبب ما سبق من المعاصي والذنوب، كما بينه بقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ}، يعني تفضلاً وتكرماً، لا عن استحقاق سابق {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}، أي: فسببه من نفسك، وهو المعاصي والذنوب، ويدل عليه قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}⁣[الروم ٤١]، أراد بالفساد نقائص