[فصل]: في الكلام في أن الله ø لا يعذب أحدا إلا بذنبه ولا يثيبه إلا بعمله
  انفرادها؛ لأن ما ذكرناه إنما يتناول هذه المسألة على سبيل تناول العام لأحد المفردات الداخلة تحته، بأن يقال: فله أن يتصرف في مملوكه بما شاء، ومن جملة ذلك التعذيب والإثابة لمن لا يستحق، أو أنه غير منهي عن شيء، ومن جملة ذلك كونه غير منهي عن تعذيب أو إثابة من لا يستحق.
  والجواب - والله الموفق للصواب -: أن هذه المقدمات التي بنوا عليها هذه المسألة وغيرها مما يخالف العدل - من كونه مالكاً فله أن يتصرف في مملوكه بما شاء أو أنه غير منهي عن أي شيء - لا تناكر فيها، بل هي معلومة الثبوت له تعالى على الكمال، ولكنا لا نسلم لهم منها الدلالة على كونه تعالى يصح أن يعذب أحداً بغير ذنبه أو يثيبه بغير عمله؛ لأن المالك الحكيم وإن كان غير منهي ولا مربوب فإنه لمكان العدل والحكمة يمتنع منه ما ذكر؛ لأنه لا شك في سخافة من أهان وليه وأعز عدوه، ولأن ذلك يستلزم الظلم ونحوه مما مر تقريره في تعذيب من لا يستحق العقاب، وتعظيم من لا يستحق التعظيم في إثابة من لا يستحق الثواب، والله تعالى منزه عن كل قبيح وعن كل صفة نقص ولا شك أن ما فيه السخافة والسفاهة نقص وأي نقص؛ فبطل ما زعموه وانتقض ما أبرموه.
  وأما من جهة السمع: فاستدلوا بقوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}[العنكبوت ١٣] وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال ٢٥] وقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}[النساء ٥٦].
  ومن السنة: بما رووه عن خديجة أم المؤمنين ^ أنها سألت رسول الله ÷: أين أطفالي منك يا رسول الله؟ قال: «في الجنة»، قالت: فمن غيرك؟ قال: «في النار، ولو شئت لأسمعتك ضغاهم».
  والجواب: أنا قد قدمنا أنه لا يصح لهم الاستدلال بالسمع مهما كانوا على ذلك