[الكلام على الهدى والضلال]
  فيجوز أن يقال: إن الطاعات بقدر الله، أي: بفرضه وإيجابه لها على حسب الحكمة والمصلحة، وإن المعاصي بقدره مع القيد أن المراد كتب أحكامها وأعلم بما فيها من المفاسد والعقاب. ولا يجوز أن يقال ذلك بمعنى خلقها وأرادها، خلافاً للمجبرة؛ بناءً على أصلهم في خلق الأفعال، وقد مر إبطاله.
[الكلام على الهدى والضلال]
  وأما الهدى والضلال فهما أيضاً يأتيان لمعانٍ متعددة:
[معاني الهدى]:
  فالهدى بمعنى: الدُّعَاء إلى الخير والترغيب فيه، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى ٥٢].
  وبمعنى: البَيَان والدَلاَلَة: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}[فصلت ١٧].
  وبمعنى: زيادة تنوير البصيرة لمن انقاد وأذعن لمبادئ الخير من إدراك الحسن والقبيح العقليين، وأجاب بالمساعدة وعدم المعاندة، والنظر في معجزات الرسل وأصول ما جاؤوا به عن الله تعالى من الكتب والشرائع ونحو ذلك من الأمور الكلية التي هي مباني الأحكام الجزئية [فمن إنقاد وأذعن لذلك هداه الله وبصره ووفقه لما فيه صلاحه من الأحكام الجزئية](١) العقلية منها والشرعية، ومن عاند وجادل بالباطل لم يعط ذلك التوفيق وتنوير البصيرة والهدى الزائد على البيان والدلالة، وهو تنوير البصيرة، وقد أشار الله تعالى إلى هذين المعنيين اللطيفين، إلى الأول بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد ١٧]، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت ٦٩]، {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال ٢٩]، وإلى الثاني بقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا
(١) ما بين المعقوفين غير موجود في (ب).