الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يطيق،

صفحة 483 - الجزء 1

  شبهة القائلين بالوقوع: أنه تعالى كلف أبا لهب أن يؤمن بما جاء به محمد ÷، ومن جملة ما جاء به أنه لا يؤمن، وأنه سيصلى ناراً ذات لهب؛ فيلزم التكليف بلازمه، وهو الكفر؛ لوجوب توقف صدق الخبر عليه، مع التكليف بالإيمان الذي هو التصديق بالله ورسوله، فقد كُلِّفَ الجمع بين النقيضين، وهو محال.

  والجواب والله الموفق للصواب: من سَلَّم لكم أنه يلزم التكليف بلازم الخبر وهو الكفر؟ لأنه يحصل صدق الخبر بمجرد المطابقة للواقع، وهي تحصل بمجرد أن يفعل أبو لهب الكفر مختاراً، ولا تفتقر إلى أن يكلفه الله تعالى به ولا إلى أن يخلقه فيه، دليله أن أبا لهب لا يستحق ثواباً على تصديقه الرسول ÷ أنه لا يؤمن، فما ذاك إلا أنه غير مكلف به؛ لأن التكليف مقتضي⁣(⁣١) الثواب. وبعد، فتكليفه بالكفر لا يصح؛ لأنه حاصل عنده قبل بعثة محمد ÷.

  لا يقال: مسلم فيما سبق منه البعثة، دون ما بعدها فقد كلف به لتحصل به المطابقة.

  لأنا نقول: حصوله منه فيما بعد البعثة كحصوله فيما قبلها في أن الكل واقف على اختياره له، لا على تكليفه به أو خلقه فيه، دليله أَنَّ المعلوم من حال الرسول ÷ أنه كان ينهاه عن الكفر ويطلب منه الإيمان، فكيف يصح تقدير أنه مكلف مع ذلك بالكفر أو أن الكفر مخلوق فيه، وأَنَّ المعلوم من حال أبي لهب إقامته على الكفر أمره النبي ÷ به أم نهاه عنه، أمره بالإيمان أم لا، أنزل الله تعالى فيه قرآناً أم لا، ولأنه كغيره من سائر الكفار الذين علم الله من حالهم أنهم يموتون على الكفر، فكما لا يقال إنهم مكلفون به لتحصل المطابقة لما علمه الله تعالى - لا يقال: إن أبا لهب مكلف به لتحصل المطابقة لما أخبر به سبحانه وتعالى.


(١) لعلها: يقتضي.