[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يطيق،
  وبعد، فالتكليف إنما يكون بما هو خير ومصلحة، ولا خير في الكفر ولا مصلحة، فيه ولا يرضاه الله لأحد من عباده، فكيف يصح تقدير أنه مكلف به؟
  وبعد، فالتكليف لا يكون إلا بالتبليغ إلى المكلف، ولا نسلم أن الرسول ÷ بلغ إلى أبي لهب أنه لا يؤمن؛ لأنه ÷ إنما بعث لتبليغ(١) الشرائع والمصالح إلى الخلق، والكفر بمعزل عن ذلك، بل هو النقيض لما هنالك. وأما قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}[المسد ٣] فلا نسلم أنها إخبار عن أبي لهب على القطع؛ لما في ذلك من المفسدة والإياس والقنوط من رَوْحِ الله، ووجود ما يقتضي تثبيطه عن الإيمان واستمراره على الكفر، بل هي خبر وارد مورد الوعيد المشروط، وأن المعنى سيصلى ناراً ذات لهب إن استمر على كفره، فلا معلومية عند نزولها أنه سيموت على الكفر، فلا يمكن التمسك بها حال نزولها على محل النزاع لتحصل المطابقة للخبر؛ إذ لا خبر حينئذ، يدل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران ١٧٩]، فأبو لهب وغيره داخل في الخطاب بعدم الاطلاع على الغيب، والأمر بالإيمان والوعد عليه بالأجر العظيم.
  قالوا: قال تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}[هود ٢٠]، وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ٤٥ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ٤٦}[الإسراء] فأخبر تعالى أنهم لا يستطيعون سماع القرآن، وأنه جعل بينهم وبينه حجاباً وأكنةً، وفي آذانهم وقراً، مع كونهم مكلفين باستماعه واتباعه.
  قلنا: ظاهرها متروك بالاتفاق؛ لأنهم كانوا يسمعون ويبصرون بلا مِرْيَة، ويؤكده قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا
(١) في (أ): ليبلغ.