الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 503 - الجزء 1

  ذلك كما إذا قال السيد لعبده: افعل كذا وكذا و كذا، ثم يقول في حثه على ذلك: فما تفعل شيئاً من ذلك إلا وقد أردته منك، ثم إذا أراد قصره عن فعل ما سوى المذكورة أتى بالجواب بلفظ المضارع كما في الآيات المذكورة، والله أعلم.

  قالوا: قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}⁣[يونس ٩٩]، {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}⁣[الرعد ٣١]، {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}⁣[الأنعام ١٤٩]، {لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}⁣[السجدة ١٣]، ونحو ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى لم يشأ هداية كل الناس وإيمان جميعهم، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}⁣[الأنعام ١٠٧]، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ}⁣[الأنعام ١٣٧]، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}⁣[البقرة ٢٥٣]، ونحو ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى يشاء الشرك والقتل وسائر ما يفعله المشركون والعصاة.

  والجواب عن جميع ما ذكروه وسائر ما يستدلون به من وجوه:

  أحدها: أنه لا يصح لهم الاستدلال بالسمع ما داموا على ذلك المذهب السخيف والاعتقاد العنيف؛ لأنهم قد قالوا: ما من كذب في الخارج صدر من مدعيي الربوبية ومدعيي النبوة والكفار، ومن جميع العصاة الأشرار إلا والله تعالى فاعله، ومريده، وخالقه، ومقدره، ولا يقبح منه؛ لأنه غير منهي ولا يُسأل عما يفعل، وإذا كان كذلك فلا يبعد منه الكذب في هذه الآيات وجميع ما أخبر به في كتبه وعلى ألسنة رسله، ولا يقبح منه؛ لأنه غير منهي ولا يُسأل عما يفعل.

  ثانيها: أن هذه الآيات ونحوها مما تمسكوا به هي من المتشابه، وقد قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}⁣[آل عمران ٧].

  ثالثها: أن المتشابه عند الخصم لا يعلم تأويله إلا الله دون الراسخين، فسقط استدلال الخصم بالسمع أجمع بمقتضى الثلاثة الوجوه، الأوَّلُ يعم المحكم والمتشابه، والأخيرين يخصان المتشابه فقط، وقد مر ذكر هذه الثلاثة أو بعضها فيما مضى من هذا المختصر، لكن أعدناها هنا تنبيهاً للناظر والمطالع لعظم نفعها