الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 504 - الجزء 1

  وتسلطها على اقتلاع جرثومة الجبر وهتك أستاره، ولهدم ضررها وتنشطها إلى انتزاع أكرومة العدل وفك أسواره⁣(⁣١)، قامعة لأهل الجبر لا يملكون دفعها، وواقعة عليهم من سماء العدل لا يستطيعون رفعها.

  رابعها: أن متعلق المشيئة⁣(⁣٢) في الآيات المذكورة غير مذكور، كما تراه من قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ}، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} فلم يذكر في شيء منها لو شاء كذا، وإنما ذكر أجوبة «لو» لأن «لو» الشرطية تحتاج إلى شرط وجواب، تقول: لو شئت إدخال زيد داري لأدخلته، فقولك: «شئت». فعل الشرط، وقولك: «إدخال زيد» مفعوله متعلق به، وقد يحذف هذا المتعلق اختصاراً، تقول: لو شئت لأدخلت زيداً داري، كما في الآيات المذكورة، وقولك: «لأدخلته» جواب الشرط، وإذا كان الأمر كذلك فلا دلالة للخصم إلا لو كان متعلق المشيئة مذكوراً، بأن يقول: لو شاء ربك إيمان أهل الأرض، أو لو شاء الله عدم شرك المشركين، على أنه لو فرضنا ذلك وأخذناه من الأجوبة المذكورة بعد «لو» لما كانت الدلالة إلا ظاهراً لا صريحاً؛ لاحتمالها التأويل بمشيئة الإجبار لا مشيئة الاختيار.

  فإن قيل: ليس بأن تحملوا المشيئة على مشيئة الإجبار أولى من أن نحملها على مشيئة الاختيار.

  قلنا: بل حملها على مشيئة الإجبار أولى لوجهين:

  أحدهما: أن حملها على مشيئة الإجبار لا نزاع في إمكانه وعدم استحالته على الله تعالى بالنظر إلى أنه تعالى قادر على ذلك، بل الجميع متفقون على أن الله تعالى قادر على ذلك، وإنما منع أهل العدل من صحته ووقوعه لمنافاته التكليف، بخلاف مشيئة الاختيار فالنزاع فيها⁣(⁣٣) كائن، فيكون حملها على الوجه المتفق


(١) في (ب): سواره.

(٢) في (ب): الشبه.

(٣) يعني: لأن أهل الجبر يجعلون التقدير: لكن قد شاء أن يشركوا باختيارهم، وأهل العدل يجعلون =