الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[معنى الرب]

صفحة 51 - الجزء 1

  قلت: هذا صحيح، إلاَّ قوله: «وهما: حقيقتان قبل وجود المملوك» ففيه نظر؛ إذ لا يتحقق الملك إلا بعد وجود المملوك، فأما قبله فليس إلا مجازاً لما كان قادراً على الملك، أو تنزيل ما سيقع منزلة الواقع. وما ذهب إليه البلخي هو قول المرتضى # وغيره من العلماء، والله أعلم.

  قوله: «فقل: الله ربي» هذا قول جميع فرق الإسلام، إلا أن المطرفية زعموا أنه تعالى لا يؤثر إلا في الأصول الأربعة التي هي: الماء والنار والتراب والهواء، وما عدا ذلك متوالد منها بواسطة طبائعها الأربع التي هي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وهذا زَيْغٌ شديد وضلال بعيد، وقد كُفِّروا بذلك؛ إذ يكون الباري تعالى غير صانع مختار بالنظر إلى ما عدا ذلك من الحيوانات والنباتات. وهو أيضاً قول جميع أتباع الرسل $، وأهل الكتابين، والبراهمة: وهم فرقة من الكفار يقرون بالصانع المختار وينكرون حسن النبوة. وهو أيضا قول بعض عباد الأصنام كما حكى الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}⁣[الزمر ٣].

  والخلافُ في ذلك لأهل الإلحاد كالسوفسطائيةِ القائلين بالتعطيل وإنكار حقائق الأشياء، وهؤلاء أحقر من أن يلتفت إليهم بالمناظرة والمجادلة؛ لإنكارهم وجود الأشياء المشاهدات فضلاً عن أن تكون محدثة وأن لها فاعلاً مختاراً، وكالفلاسفةِ والباطنيةِ القائلين بأن أصلَ العَالَمِ الْمُؤَثِّرُ فيه علةٌ قديمةٌ.

  فالفلاسفة يقولون: صَدَرَ عنها عقلٌ، وعن العقل عقلٌ والفلكُ الأعلى ونفسُ فلكٍ - وهو الذي يعبر عنه المسلمون بالعرش، ثم صدر عقلٌ ثالث عن العقل الثاني، والفلكُ⁣(⁣١) الذي دون الفلك الأعلى، ونفسُ⁣(⁣٢) فلكٍ الذي يعبر عنه المسلمون بالكرسي، ثم صدر عقلٌ وفلكٌ ونفسُ فلكٍ وهو السماء السابعة،


(١) عطف على «عقل ثالث».

(٢) عطف كذلك.