[معنى الرب]
  ثم كذلك إلى السماء الدنيا، فصارت العقولُ عشرةٌ، والأفلاكُ تسعة، وأنفسُها تسعة، والعقل العاشر الذي في السماء الدنيا عندهم هو المتولي عَالَمَ الكونِ والفسادِ. وما يقع في الأرض من الإحياء والإماتة والنباتات وسائر التأثيرات بواسطة حركات الأفلاك وطبائعها.
  والباطنية قالوا: صَدَرَ عن العلة القديمة السَّابِقُ، وعن السابقِ التَّالي، ثم صَدَر عن التالي النفسُ الكليةُ، ثم تحركت فحصلت الحرارة، وسكنت فحصلت البرودة، وتولد من الحرارة يبوسة، ومن البرودة رطوبة، وتولدت الأصول الأربعة التي هي: الماء والهواء والنار والتراب، وحصلت منها سائر الأشياء بالتوالد، بواسطة امتزاج الطبائع الأربع واعتدالها، وسَمعتُ مَن ينتسب إليهم ويتدين بالإسلام يَقولُ معتذراً لهم: إنما أرادوا بالسابق والتالي اللوحَ والقلمَ، وبالعلة القديمة اللهَ تعالى، والمسلمون يقولون: أول ما خلق الله اللوحَ والقلمَ، فالخلافُ في العبارة، فقلت له: هذا تلبيسٌ؛ إذ لا يجوز أن يقال للباري تعالى علة، ولأن اللوحَ والقلمَ على قول من يقول بهما من المسلمين لا قُدرةَ لهما ولا تأثيرَ لهما في وجود شيء، والباطنيةُ يسندون التأثير إلى السابق والتالي، ولا يصفون الله تعالى بأنَّهُ قادر عالم حي، قالوا: لأنه تشبيه، ولا أَنَّه غيرُ قادر عالم حي؛ لأنه تعطيل، فأين مقالهم من مقال(١) المسلمين؟ فأنكر عنهم ذلك. ولا شك في شهرة ذلك عنهم، ومن ثمة لم ينازع في كفرهم أحد من الفرق الإسلامية.
  وكالطبائعية قالوا: التأثير للطبائع الأربع المذكورة. ومنهم من يقول: التأثير للأصول الأربعة القائم بها تلك الطبائع، فطبع الماء البرودة، وطبع النار الحرارة، وطبع التراب الرطوبة، وطبع الهواء اليبوسة.
  وعند الموحدين: أن الله تعالى خلق هذه الأصول الأربعة وألزمها تلك
(١) «مقالتهم من مقالات» نخ.