الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[استدلال الإنسان بأحواله على حدوثه المستلزم أنه لا بد له من محدث]

صفحة 54 - الجزء 1

  ونذيمهم⁣(⁣١) وبهم عرفنا فضله ... وبضدها تتبين الأشياءُ

[استدلال الإنسان بأحواله على حدوثه المستلزم أنه لا بد له من محدث]:

  قال #: (فإن قيل لك: بِمَ ..) أصلها «ما» الاسمية، وترد في الخطاب تارة للاستفهام والسؤال عن ماهية الشيء أو سببه، وتارة للإخبار عن عظم الشيء وكثرة كميته، ثم أدخل عليها حرف الجر: فَإِنْ كانت استفهامية حذفت ألفها نحو: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}⁣[النازعات ٤٣]، {فَبِمَ(⁣٢) رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}⁣[آل عمران ١٥٩]، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}⁣[النبأ ١]، وكما ذكر في المختصر، وإِنْ كانت خبرية أبقيت الألف على حالها، نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}⁣[نوح ٢٥]، {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ}⁣[الحج ١٠]، {جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا}⁣[سبأ ١٧].

  (.. عرفت ذلك؟) والمعرفة: هي الاعتقاد الذي يكون معتقده على ما تناوله مع سكون النفس. فـ «الاعتقاد» جنس الحد يدخل تحته سائر الاعتقادات. وقولنا: «الذي يكون معتقده على ما تناوله» خرجَ به الظنُّ الفاسد، وهو الجهل المركب. وقلنا: «مع سكون النفس» خرجَ به الظنُّ الصحيح، فإنه وإن كان معتقده على ما تناوله لكنه لا يسمى معرفة؛ لأجل عدم سكون النفس إليه. قيل: وتسمى⁣(⁣٣) علماً ودراية وفهماً وفقهاً، وإنها مترادفة. والأظهر خلافه، إلا أن بينها تلازماً من جهة العموم والخصوص، فالعلم أعمها؛ لأنه تجلي الشيء ووضوحه وعدم خفائه، سواء كان عن اعتقاد كعلمِ أحدنا أم لا كعلم الباري تعالى، والمعرفة: العلم الاعتقادي؛ فكانت أخص. والدراية: العلم بالشيء ممن شأنه أن يجهل. والفهم: سرعة إدراك الشيء بعد جهله. والفقه: إدراك ما فيه غموض.


(١) أي: نذمهم. والقائل هو المتنبي. (حاشية على الأصل).

(٢) أي: فبأي رحمة من الله، تعظيمًا للنعمة عليه فيما أعانه من اللين لهم في ذلك المقام. والأكثر يجعلونها هنا زائدة ويثبتون ألف «ما»، وهي كذلك في المصحف.

(٣) أي: المعرفة.