[استدلال الإنسان بأحواله على حدوثه المستلزم أنه لا بد له من محدث]
  وبهذا لا يصحُّ أن يطلق شيء منها على الله تعالى إِلَّا العلم، فإن أطلق شيء منها عليه تعالى فمجاز عن العلم، من باب استعمال المقيد في المطلق.
  هذا، ولا خلاف أن معرفة الله تعالى واجبة على كل مكلف ذكرٍ أو أنثى حرٍ أو عبدٍ، وإنما الخلاف هل وجبت شكراً أو لطفاً، وهل واجبة على التفصيل في كل مكلف أم(١) على الإجمال في كل مكلف، أم يفصل بين العلماء والعوام؟ فحكى في شرح الأساس عن قدماء أئمتنا $ وأبي علي من المعتزلة: أنها وجبت شكراً، بمعنى أنها شكر للباري تعالى في مقابل النعم؛ لأن شكر المنعم واجب عقلاً، والمعرفة شرط وشطر في صحة أدائه؛ لأنه لا يتم توجيه الشكر إلى المنعم ولا يتأتى إلا مع معرفة المشكور. ولم يحك أنها وجبت لأجل اللطف - بمعنى أنها وجبت لما فيها من اللطف للمكلف في القيام بما كلف بأدائه(٢) من الواجبات وتركه من المحرمات - إلا عن سائر المعتزلة، لكن يفهم من حكايته القول الأول عن القدماء فقط أن في المتأخرين من أئمتنا $ من يوافقهم على ذلك، بمعنى أنها لطف للمكلف في القيام بما كلفه من سائر الواجبات. وأما القرشي في المنهاج فلم يحك القول بوجوبها شكراً إلا عن أبي علي في أحد قوليه، وقال: إنه باطل، والقول الآخر عنه أنها وجبت لأن وجه وجوبها قبح تركها، وهو الجهل بالله تعالى والظن ونحوهما(٣). وحكى شيخنا صفي الإسلام ¦ القولَ بوجوبها شكراً عن بعض أئمتنا $، ولم يبينه، ولعله أراد القدماء منهم كما حكاه شارح الأساس، ثُمَّ حكى | عن المؤيد بالله، وأخيه الناطق بالحق أبي طالب، والمنصور بالله، والأمير المؤلف، والإمام يحيى، والمهدي $، وأكثر المتأخرين، وجمهور المعتزلة - أَنَّ الشرائع ألطاف في الواجبات العقلية، والشكر
(١) «أو» نخ.
(٢) «أداءه» نخ.
(٣) كالشك وغيره مما يمنع من وجودها.