الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[استدلال الإنسان بأحواله على حدوثه المستلزم أنه لا بد له من محدث]

صفحة 56 - الجزء 1

  - يعني العقلي - هو الاعتراف فقط، ثم قال: فمعرفة الله وجبت لأنها لطف للمكلفين في القيام بما كلفوه، ثم قال: ولا يخفى أن كون الطاعات شكراً لا ينافي أن الشرائع ألطاف؛ فإن الهادي # والقاضي وابن متويه مصرحون بأنها شكر مع أن الشرائع ألطاف، وحَكى ابن حابس ¦ القولَ بأن معرفة الله وجبت للشكر لا لغيره - يعني لا لأجل اللطف و لا لغيره - وأن الطاعات شكر عن الهادي وقدماء العترة $، وحكى عن المهدي وكثير من المعتزلة وبعض صفوة الشيعة أن الشرائع ألطاف في العقليات، وأن الشكر الاعتراف فقط، إلى أن قال: وكلامهم باطل من أصله؛ لقولِه تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}⁣[سبأ ١٣]، وإجماعِ أهل العربية على أن الشكر قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان في مقابلة النعمة.

  قلت: فهذه حكاية الأقوال عن العدلية القائلين بوجوب معرفة الله تعالى عقلاً، وظاهرها الخلاف بين الأئمة $ هل وجبت لأجل الشكر فقط أم لأجل اللطف فقط؟ ولا يُسلم أن بينهم خلافاً متحققًا، وإن كان في كلام القرشي ما يدل على أنها وجبت عندهم لأجل اللطف فقط؛ حيث لم يجعلها شكراً إلا عن أبي علي، وفي كلام ابن حابس التصريح بعكس كلام القرشي عن القدماء منهم، وهو ظاهر حكاية شارح الأساس عنهم، ولا يُسلم أن بين المسألتين تنافيًا؛ فإنه لا مانع من القول بوجوب المعرفة لما فيها من الشكر واللطف معاً، ولا تصريح في كلام الأئمة $ بالتنافي ومنع أحدهما والاقتصار على الآخر؛ لأن القدماء منهم - على ما حكاه شارح الأساس وغيره - مصرحون بأنها شكر، ولم يتعرضوا لنفي كونها لطفاً، والمتأخرين - على حسب ما حكي - يقولون بأنها لطف، ولم يتعرضوا لنفي كونها شكراً، والأدلةُ حسبما ذكرها شيخنا صفي الإسلام | في سمط الجمان عقليها ونقليها قد دَلَّتْ على صحة القولين معاً، وتعليل الحكم بعلتين أقوى في ثبوته من الاقتصار على إثباته بعلة واحدة؛