الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[استدلال الإنسان بأحواله على حدوثه المستلزم أنه لا بد له من محدث]

صفحة 57 - الجزء 1

  لأن العلة الواحدة ربما يتطرق إليها النقض فيبطل الحكم المقتصر في تعليله عليها، وهذا واضح لمن تأمله، فإذا كان هو الحق وجبَ حمل كلام الأئمة $ عليه؛ لأنهم أهل الحق، وحلفاء الصدق وقرناء الكتاب، وأمان الأمة من نزول العذاب، وقد تركتُ ذكر⁣(⁣١) الأدلة على كل من القولين خشية التطويل، واستكفاء بما ذكره شيخنا ¦، لكني أزيد المقام إيضاحاً بذكر تفصيل لم أقف عليه لأحد منهم صراحة، وإنما لاح من أقوالهم الجميع من مجموعه لا من جميعه، وهو في هذا المبحث وغيره، فأقول وبالله أصول: اعلم - وفقك الله تعالى وإيانا - أَنَّ نِعَمَ الله سبحانه وتعالى لا يقادر قدرها، ولا يعلم حصرها إلا الله تعالى، وقد قسمها أهل المعقول إلى قسمين، وعبروا عنهما بقولهم: أصول النعم وفروعها، ثم قالوا: فأصول النعم ست: خلق الحي، وخلق حياته، وخلق قدرته، وخلق شهوته، وتمكينه من المشتهيات، والسادسة وهي خاصة بالمكلف وهي خلق عقله كاملاً، ثم قالوا في فروعها: وأما فروعها فلا تعد؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}⁣[إبراهيم ٣٤].

  وإنما جعلت الست المذكورة أصولاً لأنه لا يتحقق الإنعام بما عداها إلا بعد حصولها؛ فكانت أصولاً، وإليها يرجع كل ما عداها من النعم؛ فكانت فروعاً. ومرادهم بقولهم: «خلق الحي وخلق حياته» يعنون إيجاده من العدم على صفة الحياة المقتضية لصحة الإدراك ليتحقق الإنعام بإدراك وتناول المنعم به؛ فيدخل في ذلك خلق الحواس الخمس التي هي: السمع والبصر والشم واللمس والطعم، فكان صواب العبارة: «خلق الحي وخلق حواسه»؛ لأنه قد أغنى عن ذكر الحياة قولهم: «خلق الحي»، ولعله تصحيف في نقل المتأخرين عن واضعي البحث في المسألة. ويلحق بذلك الإلهام لما فيه نفع البدن فتميل إليه الطباع


(١) في نسخة: «نقل».