الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 577 - الجزء 1

  من باب الوحي؛ لأنه إخبار عن مغيبات في حقه ÷، وقد أشار الله تعالى إلى معنى هذا بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُوْنَ}⁣[العنكبوت ٤٨] - أي: لو كنت تتلو كتاباً أو تخطه بيمينك - لارتاب المبطلون، أي: لو وجدوا موجباً للريب وارتابوا استناداً إلى ذلك؛ لأنهم كانوا مرتابين بلا سبب، كما قال تعالى: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}⁣[التوبة ٤٥]، بل لمجرد العناد وإيحاء بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، كما قالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}⁣[النحل ١٠٣]، وهو عايش أو يعيش، أسلم وحسن إسلامه، وكان صاحب كتب، وقيل في اسمه غير ذلك، فأبطل مقالتهم بقوله ø: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا}، أي: القرآن {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}⁣[النحل ١٠٣]، فكيف يتأتى صحة قدحهم مع أن لسان الذي يلحدون إليه - أي: ينسبون إليه أنه علمه ÷ القرآن - بخلاف لسان القرآن، فالريب المنفي عنهم لانتفاء كونه ÷ يتلو كتاباً أو يخطه هو الريب عن سبب ظاهر، والريب الذي هم فيه هو الريب لا عن سبب، فلا تعارض فيما يدل عليه الكتاب العزيز. (فَدَلَّ ذلك) أي: المذكور من العجز والإخبار عن المغيبات مع المطابقة (على كونه) أي: القرآن (معجزاً لا يقدر عليه أحد من البشر.).

  وقد اختلف في وجه إعجاز القرآن، فالمختار عند أئمتنا $ على رواية الأساس، والجمهور على وروايته أيضاً ومنهاج القرشي: أنه الفصاحة والبلاغة الخارقة لما يُعتاد، حتى إنه بلغ في ذلك المرتبة التي لا يقدر البشر أجمع على كلام يماثل القرآن أو يدانيه في تلك الفصاحة والبلاغة.

  وقيل: بل إعجازه في إخباره عن الغيب. وقيل: كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل. وقيل: سلامته من التناقض والاختلاف. وقيل: أمر يُحسُّ به ولا يُدرك. وكأنه يريد هذا القائل حلاوة تلاوته واستماعه. وقيل: الصرفة، أي: كون الله ø صرف الخلق عن أن يأتوا بمثله. ولا مانع من هذه الأوجه أو بعضها