الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ضروب الواجبات التي كلف الله المكلفين بها]

صفحة 58 - الجزء 1

  والنفوس، وما فيه مضرته فتنفر عنه؛ ليكون بذلك سلامة الحي واستمرار وجوده ما شاءه الله من البقاء، وهو⁣(⁣١) مشترك بين الإنسان وغيره من سائر الحيوانات، إلا أنه يعبر عنه في الإنسان بأن يسمى مع ذلك درايةً وعلماً، وفي سائر الحيوانات إلهاماً وإدراكاً.

  وإنما جعلت الفروع لا تحصى لأن الست المذكورة يدخل فيها أو في أغلبها ما لا عَدَّ له من الفروع، فإن القدرة جنس يدخل تحتها القدرة على القيام، والقدرة على القعود، والقدرة على الذهاب، والقدرة على المجيء، والقدرة على كثير من الأعمال كالبناءات والحراثات والصناعات المختلفة والمؤتلفة العجيبة والاستخراقات الغريبة، مع تكرر ذلك في الأوقات والأمكنة، مع تمكين المكلف من اختيار ما فيه النفع فيفعله، أو الضرر فيتركه، وكذلك الشهوة مع تفنن المشتهيات واختلافها مأكلاً ومشرباً ومطعماً وملموساً ومشموماً، وكثرة أصناف المعقولات وأفرادها، فإنه إذا تفكر الإنسان في ذلك عجز عن حصر بعضها وأدناها، فَضلاً عن كلها وأقصاها، فَوجب شكره تعالى على ذلك وجوباً عقلياً ضرورياً، وقد عُدَّ من علوم العقل الضرورية، فلا ينكره إلا جاحد مكابر، أو ناقص عقل أو قاصر، ومن ثَمَّ ورد القرآن بذمِّ تارك الشكر، وبالإخبار بوجوبه ولزومه؛ لأنه قد علم عقلاً، ولو كان شرعيًّا فقط - كما يزعمه أهل الجبر - لجاز عليه النسخ كما هو شأن الشرعيات.

[ضروب الواجبات التي كلف الله المكلفين بها]:

  ثم إن الواجبات التي كلف الله المكلفين بها على ثلاثة أضرب بالنسبة إلى حكم العقل فيها وإدراكه إياها وعدم ذلك:


(١) أي: الإلهام.