الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 579 - الجزء 1

  صارت كل جملة منها قائمة الأركان، غنية عن البرهان، ظاهرة المعاني والبيان، مستقلة الدلالة والاحتجاج، مقرونة بما يناسبها من المعطوفة عليه أو المعطوف عليها في الوضوح والابتهاج وشروط العطف، حيث أتى في الشاهد الأول بصيغة المضارع؛ لأن المقام يقتضيه؛ إذ هو محاججة في شأن الرزق الواقع على المخاطبين، وهو حاصل في الحال والاستقبال فقال: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ}، وسلك مسلكاً لا يقدر الخصم على إنكاره فقال: {منْ السَّمَاءِ}، وأراد به المطر، وعطف عليها الأرض، وأراد جميع النباتات المسببة عن المطر، ثم عطف الجمل الآخرات بصيغة المضارع، وأتى فيها بالأفعال التي لا يقدر عليها غيره فقال: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}، فإن في هذه الجمل الخمس من الإيجاز والاختصار مع عدم الإخلال بشيء من المعنى المراد، وإيراده على أبلغ الوجوه في الشمول والوضوح، ومراعات النظير، ورد الصدر⁣(⁣١) على العجز فيما يحتاج إليه كقوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ}، وتركه فيما لا يحتاج إليه، والحذف فيما يلزم ليصح العموم معه في قوله: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}، فيشمل كل أمر - أي: شأن - من أحوال السماوات والأرضين أو الحيوانات أو النباتات أو النبوات أو الشرائع وجميع ما يتعلق به التدبير، وكذلك ما بعد هذه الآية إلى قوله: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أتى فيها بصيغ المضارع ليناسب الجملة الأولة؛ لأن من شرط حسن العطف وصحته أن يعطف المضارع على المضارع والماضي على الماضي والأمر على الأمر، فلا يقال: سيقوم زيد وقام عمرو، أو وقم يا عمرو، ثم ختم كل آية بالفاصلة المناسبة للجمل المذكورة فيها، فقال في الأولى: {أَفَلا تَتَّقُونَ} أي: أفلا تتقون عقابه حيث تعبدون من دونه


(١) المذكور في كتب المعاني والبيان: رد العجز على الصدر.