الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 580 - الجزء 1

  أصناماً لا تفعل شيئاً مما ذكر من الرزق وما بعده، وقال في الثانية: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} لما قال فيها: {فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}، فسمى نفسه ø الحق، وسمى الأصنام الضلال، وسمى عبادته الحق وعبادة الأصنام الضلال، وإن لم تذكر العبادة فهي المرادة من إرسال الرسول بالمحاججة على التوحيد أولاً؛ لكونه شرطاً في صحتها، ثم على استحقاقه تعالى إياها ثانياً؛ لكونه المنعم بما ذكر في تلك الآية وغيرها من النعم، يدل على هذا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}⁣[الأنبياء ٢٥]، فلما سمى نفسه ø أو عبادته الحق أو هما معاً أو الأول في الأول والثاني في الثاني - سمى الأصنام أو عبادتها بالضلال، وكان المشركون لا يكادون يفارقون اعتقاد إلهية الأصنام وعبادتها مع عدم المقتضي لها بعد إقرارهم بأن الذي رزقهم وجعل لهم السمع والأبصار وأخرج الحي من الميت والميت من الحي ودبر الأمر هو الله تعالى لا غيره، فكان من حقهم ومن اللازم عليهم أن ينصرفوا عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله تعالى وتوحيده في الإلهية فقال: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}، وأتى فيه بصيغة المجهول ليدل على توغلهم وفرط محبتهم للأصنام وعبادتهم إياها حتى كأنهم أصنام لا ينصرفون عنها إلا بصرف صارف لهم عنها، وكأنه أمر جِبِلّي فيهم وخِلْقَةٌ، كناية عن المبالغة في ذمهم وعنادهم، ثم قال: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}⁣[يونس ٣٣]، لما حكى عنهم في الآيتين التي قبلها أنهم لم يتقوا عقابه، ولم ينصرفوا عن عبادة الأصنام - حكم عليهم بالفسق وبعدم الإيمان، وأفاد أن هذا الحكم سنته وكلمته المحكوم بها على كل من فسق، أي: أفحش في الخروج عن طاعته، وأن هذا الحكم حق منه ø لا باطل ولا ظلم ولا جور ولا كذب فيه، فانظر إلى ما في هذه الآية من الحذف والتقدير، والطي والنشر، والاختصار والإيجاز، والتشبيه، والتأكيد، وحسن السَّبك،