الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 581 - الجزء 1

  والمناسبة لما قبلها، ومطابقة مقتضى الحال، وعدم تنافر الكلمات والحروف، وحسن التقفية والسجعة، وغير ذلك مما اشتملت عليه مع قلة كلماتها وصغرها في ذاتها، ثم أعاد عليهم المحاججة على وجه وأسلوب آخر فقال عز من قائل: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}⁣[يونس ٣٤]، ولما كانوا منكرين الإعادة لم يحسن هاهنا أن يقول: فسيقولون الله نظراً إلى إقرارهم أن الله هو الذي يبدأ الخلق كما حسن في الآية السابقة فسيقولون الله؛ لأنهم فيما ذكر في الآية السابقة لم ينكروا شيئاً، وهاهنا هم مقرون بالبعض ومنكرون البعض الآخر، فلو قال: فسيقولون الله لكذب الخبر، فقال معلماً ومرشداً لكل من وقف على السؤال، ومثبتاً لرسوله في كيفية الاحتجاج بصحيح المقال: {قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، والإعادة وإن كانت محل النزاع بينهم وبينه ÷ فلا يصح أن يسلك فيها مسلك الدعوى المحض بقوله: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} فقد قرنت بما يدل على صحتها قطعاً وهم موافقون عليه، وهو أنه تعالى يبدأ الخلق، فنظم الجميع في سلك الجواب وقال: {قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، فكما أنه لا سبيل لهم إلى إنكار بدء الخلق لا سبيل لهم إلى إنكار الإعادة؛ لأن شأن الإعادة في جميع الأفعال أيسر من شأن البداية، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}⁣[الروم ٢٧]، فقياس النشأة الأخرى على النشأة الأولى قياس جلي عقلي يكاد أن يلحق بالضروريات لعدم الفارق، بل هو من باب الأَولى، ثم قال: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، فكيف تصرفون عنه تعالى وعن توليه إلى غيره؟ فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وفصاحته وجزالة ألفاظه، واشتماله على البرهان بأقرب بيان وأوضح تبيان، وخروج الجواب على مقتضى الحال، ثم قال عز من قائل: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}⁣[يونس ٣٥]، فهذه والتي قبلها سمى فيهما الأصنام شركاء؛