الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 582 - الجزء 1

  تنزلاً لهم على زعمهم أنها آلهة مع الله مشاركة له في الإلهية؛ لينبني عليه وجه المحاججة، كأنه قال: سلمنا كونها شركاء فهل يصح منها أن تهدي إلى الحق؟ لا يصح، فلما كان تقدير الكلام هكذا صار كأنه قيل بعد ذلك: فمن ذا يهدي إلى الحق؟ فأجاب عن هذا السؤال بقوله: {قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}، وأضاف الشركاء إليهم والحال أنهم لا يقولون إنهم مشتركون هم وإياها في الإلهية واستحقاق العبادة، وإنما يزعمون أنها شركاء لله في ذلك - لكونهم القائلين بهذا القول، ولم يقل: قل هل من شركائي - يعني على زعمكم - لما فيه من ظاهر الإقرار بأنها شركاءٌ له ø، وعدى السؤال في قوله: {مَنْ يَهْدِى} بـ «إلى» والجواب باللام ليفيد تخفيف المسئول عنه وتحقيره، وعظم المجاب به وتكثيره، فكأنه قال: هل من شركائكم من يصدر منه أدنى هداية وأقل إرشاد إلى الحق؟ أي: موجه ذلك الإرشاد إلى الحق، سواء أوصل إليه أم لا، بل لمجرد الأخذ والشروع فيه، {قُلْ اللَّهُ يَهْدِي} فأتى باللام المفيدة الإيصال وإلصاق الهداية بالحق، والتعظيم والتكثير والاختصاص علمت من تقديم المسند إليه ووضع الظاهر موضع المضمر حيث قال: {قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} ولم يقل: قل يهدي إليه الله أو يهدي الله إليه. ولما كان نفي الهداية من الأصنام ووجودها من الله تعالى قد علم بهذه الجملة - أخذ في محاججتهم وجدالهم بالنظر إلى نفوسهم وإلى نفس رسول الله ÷ فقال سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} وهو الرسول ÷، فإنه يهدي إلى الحق بمعنى يرشد إليه ويبينه، كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}⁣[الشورى ٥٢]، وعداه بـ «إلى» لئلا يظن أن هذه مثل هداية الله تعالى في العظم والتكثير والإيصال {أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ} فيما يدعو إليه ويرشد ويبينه من توحيد الله تعالى وعبادته {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} وهم المخاطبون وغيرهم مثلهم؛ لذلك أتى بـ «مَن» العامة في السؤال، فإنهم جميعاً لا يهدون إلى الحق، أي: لا يدعون إليه ولا يبينونه؛ لعدم علمهم به، ولا