الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ضروب الواجبات التي كلف الله المكلفين بها]

صفحة 59 - الجزء 1

  الضرب الأول: يحكم العقل بلزومه وتحتمه على المكلف المنعَم عليه بكل حال، ولا يبيح إسقاطه عنه في حال من الأحوال، وذلك ما يتعلق بفعل القلب فقط، وهو معرفة المنعِم تعالى والاعتراف له بأنه منعِم، فيحكم العقل بلزوم اعتقاد حصول النعمة وعظمها، وعدم جواز جحد القلب لها.

  الضرب الثاني: يحكم العقل بوجوبه ولزوم فعله أو تركه، واعتقاد ثبوته في نفسه، وعدم جواز جحده بالقلب، وذلك ما يتعلق بفعل الجارحة، كرد الوديعة، وقضاء الدين، والشكر باللسان والأركان، وترك الظلم والكذب والعبث والسفه، فهذه يحكم العقل بوجوبها ولزومها، ولكن ليس كالضرب الأول؛ لأنه قد يعرض له ما يبيح ترك رد الوديعة وقضاء الدين والشكر باللسان والأركان، ويبيح فعل الكذب والعبث والسفه وبعض الظلم: من إِكراه ظالمٍ أو معارضةِ مفسدةٍ، كأن تكون الوديعة أو الدين لعاقل ثم جُنَّ، فإنه لا يجوز ردهما إليه إذا خشي ضياعهما لديه، بل إلى ولي مالِهِ. وقيد الظلم بإضافة البعض إليه للاحتراز عن صورة فلا يبيحها الإكراه من الظالم، وذلك كأن يُتوعَد بالقتل إن لم يقتل آدميًّا محترمًا كالمسلم والذمي فإن ذلك لا يجوز ولو خشي على نفسه القتل؛ لأن حرمة قتلهما على سواء، فلا يجوز له دفع البلوى النازلة به إلى غيره، بل يصبر ولعل الله سبحانه سيجعل له مخرجاً وينجيه منه. فهذا الضرب يَجُوزُ عند الإكراه أو الضرورة الملجئة أو معارضة المفسدة المخالفةُ فيه بالفعل أو الترك دون القلب؛ حيث لا يمكن في أفعال القلب شيء من ذلك. ويعبر عن الضربين جميعاً بالواجبات العقلية؛ لقضاء العقل بهما كما ترى.

  الضرب الثالث: ما لا يحكم العقل فيه بلزوم فعل ولا ترك، وإنما يحكم فيه حكماً عاماً لجميع مفرداته: وهو لزوم امتثال ما أَمَرَ به أو نَهَى عنه المالكُ المنعم، وإباحة ما سكت عنه، وهو جميع الأفعال الخارجة عن الضربين الأولين وعما لا يَتِمَّا إلَّا به، وهذا الضرب هو الذي ينقسم إلى الأحكام الخمسة الشرعية، ويصح طُرُوُّ النسخ عليه بحسب المصالح، ولا يهتدي العقل فيه إلى حكم معين أو