فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  قالت الكلابية: وهذا المتلو هو حكاية كلام الله. فألزمهم أصحابنا أن تكون الحكاية قديمة أو يكون المحكي محدثاً؛ لأن الحكاية والمحكي واحد، هكذا ذكره القرشي | عن الأصحاب، وفيه ما فيه؛ لأن الحكاية فعل الحاكي والمحكي هو المعنى المراد عند الخصم.
  ويمكن أن يجاب على هذا: بأن المراد واحد فيما دلا عليه لا في ذاتيهما، مثاله قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ١٥ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً ١٦} الآية [المزمل]، فإن هذه الجملة مدلولها ومعناها كونه تعالى أرسل موسى إلى فرعون، وأن فرعون عصى الرسول ولم يؤمن بما جاء به فأخذه الله، وهذا المدلول والمعنى الذي هو الإرسال والعصيان والمؤاخذة هو بذاته مما اشتمل عليه وتضمنه الكلام النفسي، فظهر الاتحاد في المعنى، وتَأكدَ الإلزام؛ ويلزم منه أن الكلام النفسي متعدد متنوع الأخبار بين إرسال وعصيان ومؤاخذة، فيلزم اختلافه وحدوثه.
  وللخصم أن يقول: لا نسلم أن هذا المدلول والمعنى الذي هو الإرسال والعصيان والمؤاخذة هو بذاته مما اشتمل عليه وتضمنه الكلام النفسي، بل هو مدلول ومعنى الكلام النفسي لا جزءاً من أجزائه ولا نوعاً من أنواعه؛ إذ لا جزء ولا نوع للكلام القديم.
  فيجاب عليه بعد التنزل أن يقال: الكلام النفسي لا يخلو: إما أن يكون من قبيل الماهيات البسيطة التي لا تختلف أجزاؤها كالهواء والظلمة والنور والعلم والجهل البسيط، أو يكون من قبيل الماهيات المختلفة الأجزاء كالجسم(١) والحيوان والماء والتراب، فإن كان من الماهيات البسيطة لم يصح أن يختلف مدلوله؛ لأنه
(١) فإن الجسم ينقسم إلى أنواع عديدة، وكذلك الحيوان، والماء بين عذب ومالح، والتراب أبيض وأسود وأحمر وأصفر، بخلاف الهواء والظلمة ونحوهما. (من هامش الأصل).