[بقية الباب الثالث]
  ذلك الواجب بالشرع فقط كما ذكر من مسألة القطع، فلا نسلم أن وجوب ما لا يتم إلا به عقلاً بل شرعاً فقط.
  لأنا نقول: ما لا يتم الواجب إلا به إما أن لا يتم شرعاً فقط كالطهارة للصلاة والنية فيها وفي الصوم ونحو ذلك فمسلم أن الوجوب فيه شرعي لا غير دون العقل؛ إذ يمكن حصول الصلاة بلا طهارة ولا نية في الخارج، وإنما منع من ذلك الشرع. وإما أن لا يتم عقلاً، بمعنى أنه لا يمكن تحصيل الواجب وإبرازه إلى الخارج إلا مع تحصيل ما لا يتم إلا به، فذلك الوجوب عقلي؛ ولهذا نص الشارع على جميع الشروط الشرعية، دون العقلية فلا حاجة إلى النص عليها، فإن وجد في شيء منها فذلك على جهة التأكيد.
  هذا، ولا يقدح في المسألة الاختلاف المذكور؛ إذ قد اتفق على أصل المسألة وهو وجوب الإمامة، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} الآية [آل عمران ١٠٤] وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} الآية [السجدة ٢٤] {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء ٥٩] {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة ١١٩] {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة ٢] {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ}[الأحقاف ٣١]، إلى غير ذلك من الآيات.
  ومن السنة: قوله ÷: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، وقوله ÷: «من مات ليس بإمام جماعة ولا لإمام جماعة في عنقه طاعة مات ميتة جاهلية(١)»، وقوله ÷: «من بلغته داعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في قعر جهنم».
(١) أخرجه الإمام المهدي محمد بن القاسم الحسيني # في كتابه (الموعظة الحسنة) وهو جزء من حديث: «إن الجنة لا تحل لعاص ومن لقي الله ناكث بيعة لقيه وهو أجذم، ومن خرج عن الجماعة قيد شبر متعمداً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات ليس بإمام جماعة» الخبر، الموعظة الحسنة ص ٣٦ الطبعة الأولى ١٤٢٠ هـ، من منشورات مركز أهل البيت (ع).