الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ضروب الواجبات التي كلف الله المكلفين بها]

صفحة 64 - الجزء 1

  كالغافل - فإنه لا يمكن الانفكاك عن كلا نوعي الجهل إلا إلى المعرفة؛ لاستحالة رفع النقيضين، سيما إذا كان مرام أبي علي كما ذكره عنه القرشي في قوله: قبح تركها، أي: المعرفة، وهو الجهل والظن ونحوهما، فإنه مفيد أنه يريد الجهل البسيط والمركب.

  نعم، فإذا قيل لك أيها الطالب للنجاة: بِمَ عرفت الله تعالى أنه ربك؟ (فقل: لأنه خلقني، ومن خلق شيئاً فهو ربه).

  الخلق: هو إيجاد الشيء مقدراً على وفق الحكمة والمصلحة. ولا شك أن إيجاد الإنسان قد وقع كذلك.

  والشيء: ما يصح العلم به والخبر عنه. واختلف في إطلاقه على المعدوم، فقال بعضُ أئمتنا $ وبعضُ شيعتهم وبعضُ المعتزلة والأشعريةُ: إنه ليس بشيء، وإن الشيء لا يطلق إلا على الموجود، واستدلوا بقوله تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً}⁣[مريم ٦٧]، {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ١}⁣[الإنسان]، وفي الحديث: «كان الله ولا شيء». وقال بعض أئمتنا $ وبعض شيعتهم والبهشمية: المعدوم شيء؛ لقوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}⁣[الحج ١]، وأيضاً فإن الله قد سَمَّى آدمَ قبل خلقه خليفة؛ فبالأولى أن يُسَمَّى شيئا. ولا خلاف أن المعدومَ يُسَمَّى شيئاً، ولكن الخلاف هل يطلق عليه ذلك حقيقةً أو مجازًا؟ الأظهر أنَّ ذلك مجاز، وبذلك يجمع بين الآيات، على أن المبحث لغوي، فالمرجع بذلك إلى ما دلت عليه لغة العرب، وأعظمها القرآن، فقد رأيتَ صرائح الآيات ناطقة تارة بتسمية المعدوم شيئاً وتارة بنفي تسميته شيئاً؛ فلا بد من التأويل في أحدهما، فتأول الآيات التي ظاهرها أنه يسمى شيئاً بأنه نزل ما سيحصل منزلة الحاصل، فأطلق عليه اسم الشيء تجوزاً.