الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 19 - الجزء 2

  رسول الله ÷ إذ جاء أعرابي بدوي متنكب على قوسه، وساق الحديث بطوله، حتى قال: وعلي بن أبي طالب يصلي في وسط المسجد ركعات بين الظهر والعصر فناوله خاتمه، فقال النبي ÷: «وجبت الغرفات» فأنشأ الأعرابي يقول:

  يا أولَ المؤمنين كُلِّهِمُ ... وسيد الأوصياءِ من آدمِ

  قد فُزْتَ بالنَّيْل يا أَبَا حَسَنٍ ... إذ جَادَتِ الكَفُّ منك بالخَاتَمِ

  فالجُودُ فرعٌ وأنتَ مَغْرِسُهُ ... وأَنْتُمْ سَادَةٌ لِذَا العَالَم

  فعندها هبط جبريل # بالآية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية، انتهى من شرح الأساس. (فنزل جبريل # بهذه الآية على رسول الله ÷ في الحال، فكانت) بمقتضى هذا الاعتبار وما فهمه الصحابة كعمر والمقداد وغيرهما (في علي # خاصة دون غيره من الأُمَّةِ).

  لا يقال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا تحمل الآية على علي # وحده وإن كان فعله هو السبب في نزولها، بل تعم كل من يتناوله العموم في صيغة الجمع في قوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}.

  لأنا نقول: إن قوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} حال وقيد للحكم، فالعموم يتناول كل من وجد فيه هذا القيد، ومن المعلوم أنه لم يوجد في غير علي #، فعلم أن المراد بها علي # دون غيره؛ لذلك قال عمر: أخرجت مالي يُتصدق به عني وأنا راكع أربعاً وعشرين مرة على أن ينزل فيَّ ما نزل في علي فلم ينزل، ولو كانت مراداً بها العموم لاستكفى عمر بذلك ولما احتاج إلى ما فعل، بل كان يكفيه دخوله في العموم. قال المنصور بالله #: وبالاتفاق أن أحداً من لدن آدم # لم يؤت الزكاة حال الركوع إلا علي #.

  لا يقال: فمقتضى ما ذكرتم يلزم دخول عمر؛ لأنه قد آتى الزكاة وهو راكع، فيبطل أن المراد بها علي # وحده.

  لأنا نقول: إن عمر لم يؤتِ الزكاة في حال ركوعه حقيقة، وإنما أمر بذلك،