[بقية الباب الثالث]
  وليس الأمر بالشيء فعلًا له حقيقة بل مجاز، والواجب حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه. وبعد، فما المانع من أن يكون المراد حال نزول الآية من قد اتصف بهذه الصفة قبل نزولها، لا من سيتصف في المستقبل؛ ولذلك لم يُعد عمر ما فعله بعد نزولها مقتضياً لدخوله في الآية، بل أَمَّلَ أن ينزل فيه مثل ما نزل في علي # فما نزل، فبهذا الاعتبار وأجوبة ما يرد عليه من السؤالين المذكورين علم أن المراد بها علي # خاصة دون غيره.
  الاعتبار الثاني: أنا لو حملناها على العموم لفسد معنى الآية الكريمة، وكلام الله تعالى يجب أن يحمل على الوجوه الصحيحة دون الفاسدة؛ وذلك أنا لو قلنا: إنها عامة لكل المؤمنين مع أن المراد بالولي مالك التصرف كما سيأتي تقريره لصار التقدير: إنما مالك أمركم الله ورسوله وكل أحد منكم مالك أمركم أيضاً، وهذا المعنى فاسد، بل مستحيل؛ لأنه لا يصح أن يكون كل واحد من المؤمنين مالك أمر المؤمنين، فثبت كون هذه الآية خاصة في أمير المؤمنين دون غيره. فأما ورودها بصيغة الجمع فلا يقدح في الخصوصية؛ إذ لا يمتنع أن لله حكمة في ورودها بصيغة الجمع وإن أريد به الخاص، ويمكن أن تكون الحكمةُ في العدول إلى صيغة الجمع - الإشارة إلى أن ذرية علي # حكمهم حكمه في ملك الولاية على الأمة، وتدل على ذلك الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ٥٤ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ} الآية [المائدة ٥٥، ٥٤]، فقد روى بعض المفسرين أن المراد بقوله تعالى: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}: أمير المؤمنين والحسنين، ولا يبعد ذلك؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور ٢١]. وقد زعم المخالفون أن المراد بذلك أبو بكر وعمر، ولا وجه له إلا لو صحت إمامتهما؛ لأن القتال لا