الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 23 - الجزء 2

  ووجه آخر يمكن أن يكون هو السر والحكمة في العدول إلى صيغة الجمع، وهو أن الله تعالى لمَّا علم أنه لا بد أن تقع المخالفة على أمير المؤمنين بعد وفاة الرسول ÷، وأنه سيعضد المخالف الجم الغفير من الأعراب المنافقين ومن أهل المدينة الذين مردوا على النفاق، كما قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} الآية [التوبة ١٠١]، وأن أمير المؤمنين ومن لا يريد مخالفته سيكونون نزراً يسيراً بالنسبة إلى أولئك الجم الغفير من المنافقين ومن المسلمين الذين لم ينافقوا، لكن سيعضدون المخالف لشبهة تطرأ عليهم أو لغرض دنيوي، كما قال أمير المؤمنين # لعمر: أشدد له الأمر اليوم ليرده إليك غداً اقتضت⁣(⁣١) الحكمة شيئاً يسيراً من الإيهام؛ لئلا يكون ما لدى أولئك النزر اليسير قاطعاً على تكفير المخالف ومن أعانه من المسلمين، فيتفاقم الخطب وتعظم الفتنة بين المسلمين حيث يكفر بعضهم بعضاً مع كونهم الجميع تجمعهم صلاة وحج ونبي وكتاب واحد، ويتفرق جمعهم عقيب وفاة الرسول ÷، وتنشق العصا بينهم حتى يتناولهم العدو من الملل الكفرية قبل أن يتقووا ويتسع نطاق الإسلام بما فتح من الأقطار أيام الثلاثة؛ فتنطفئ الشريعة المحمدية، وتجهل الأحكام الشرعية حيث يشتغل العلماء من الصحابة ¤ عن النظر فيها واستنباطها بالقتال بينهم عقيب وفاة الرسول ÷؛ لذلك لم يأمر النبي ÷ أمير المؤمنين # بقتال الثلاثة، مع علمه ÷ بما سيكون منهم من المخالفة، حتى تقوت عرى الإسلام، وتقررت مسائل الشريعة والأحكام، وضبطها أولئك العلماء الأعلام في الدفاتر، وهلك الجم الغفير من أهل النفاق، ومضى الثلاثة لسبيلهم، واجتمع المسلمون إلى الإمام فبايعوه طوعاً واختياراً، وكانوا بحيث لا تنالهم يد العدو من الملل الكفرية إن اختلفوا فيما بينهم، فكان


(١) هذا جواب «لما» في قوله: «وهو أن الله تعالى لمَّا علم إلخ».