[بقية الباب الثالث]
  ذلك إنما هو على قول الأشعرية ومن وافقهم من الأصوليين، فأما على قول أئمتنا $ ومن وافقهم من الأصوليين فيقولون: إن وجدت قرينة معينة حمل عليها، وإن لم وجب حمل اللفظ على جميع معانيه التي يصلح لها بلا تناف، وإلا لزم إلحاق كلام الحكيم بالهذر إن لم يحمل على شيء، أو التحكم إن حمل على أحدها بلا قرينة، وذلك لا يجوز.
  ثم قال محتجاً على أن ليس المراد بالآية إلا الناصر دون مالك التصرف ما لفظه: إن اللائق بما قبل هذه وما بعدها ليس إلا هذا المعنى، أما ما قبلها فلأنه تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}[المائدة ٥١]، وليس المراد لا تتخذوا اليهود والنصارى أئمة متصرفين في أرواحكم(١) وأموالكم؛ لأن بطلان هذا كالمعلوم بالضرورة، بل المراد لا تتخذوا اليهود والنصارى أحباباً وأنصاراً، ولا تخالطوهم ولا تعاضدوهم، إلى قوله: وأما ما بعد هذه الآية فهي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا}[المائدة ٥٧]، قال: ولا شك أن الولاية المنهي عنها بمعنى النصرة، فكذلك الولاية في وقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، يجب أن تكون بمعنى النصرة، وكل من أنصف وترك التعصب وتأمل في مقدمة الآية وفي مؤخرها قطع بأن الولي في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ} ليس إلا بمعنى المحب والناصر، ولا يمكن أن يكون بمعنى الإمام؛ لأن ذلك يكون إلقاء كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد، وذلك يكون في غاية الركاكة، ويجب تنزيه كلام الله تعالى عنه.
  قلنا: أول ما في هذا الكلام التهافت، وذلك من أدل الأدلة على بطلانه؛ لأنه قال في الآية الأولى: ليس(٢) المراد لا تتخذوا اليهود والنصارى أئمة متصرفين في
(١) في المخطوط: «أزواجكم» في جميع مواضع ذكر هذا اللفظ، وفي تفسير الرازي: أرواحكم.
(٢) في المخطوط: «إن المراد»، وهو خطأ لأن الذي تقدم للرازي ليس المراد.